والناظر في صنيعهما يتضح له بأنهما احتجا بأصحاب الطبقة الثانية (كأسامة بن زيد الليثي ومحمد بن عجلان ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو بن علقمة)، ممن روى لهم مسلم متابعة ولم يحتج بهم.، وهذا يؤدي بنا إلى صلاحية الإحتجاج بأحاديث ابن خزيمة لأنها تدور بين الصحة والحسن، ما لم تظهر فيها علة قادحة، وأما القول بأنها استوفت شروط الصحيح الإصطلاحية فلا. وممن أكد على ذلك أيضا الحافظ ابن كثير حيث قال: كم في صحيح ابن خزيمة من حديث محكوم منه بصحته وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن.
ويلخص الشيخ الحميد حفظه الله الجواب عن هذه المسألة في عدة نقاط أبرزها:
¨ أن أحاديث ابن خزيمة أحسن حالا مما عداها إلا أحاديث الصحيحين.
¨ أن نسبة الضعيف عند ابن خزيمة ضئيلة جدا مقارنة بما فيه من الصحيح والحسن، وإن كان في كتابه أحاديث شديدة الضعف، مثل حديث فضائل شهر رمضان كما تقدم.
¨ أن ابن خزيمة قد يخرج الضعيف ولكنه يخرجه لغرض من الأغراض وينبه على ذلك، ويتوقف في الحكم على بعضه بالصحة.
وأما بالنسبة لإجابة السؤال الثاني، فقد تقدم اختيار الشيخ السعد حفظه الله، حيث قدم صحيح ابن خزيمة على صحيح ابن حبان، وممن قال بهذا القول السيوطي ودرج عليه الشيخ أحمد شاكر، وممن خالف فقدم ابن حبان، الشيخ شعيب الأرناؤوط، حيث ذكر ذلك في مقدمة تحقيقه لصحيح ابن حبان، بل قال جزاه الله خيرا بأنه يزاحم بعض الكتب الستة، ويعلق الشيخ الحميد حفظه الله على هذا الرأي بقوله:
إن منهج الشيخ شعيب الأرناؤوط فيه شيء من التساهل في تصحيح الأحاديث، ولذا فإن حكمه بأن غالب أحاديث ابن حبان صحيحة على شرط الشيخين فيه نظر، وهذا الحكم على ابن خزيمة، مع العلم بأن ثلاثة أرباع كتابه مفقودة، وعليه فإن الأسلوب الأمثل للمقارنة بين صحيحي ابن خزيمة وابن حبان، هو المقارنة بين الجزء الموجود من صحيح ابن خزيمة (حتى نهاية كتاب الحج كما نبه إلى ذلك الدمياطي)، والجزء المقابل له عند ابن حبان بعد استبعاد ما اتفقا على إخراجه، وينظر فيما زاد كل منهما على الآخر مع ملاحظة بعض الإختلافات المنهجية بين الإمامين، ومن أبرزها أن ابن خزيمة يرى عدم تصحيح حديث الراوي الذي لا يعرف بعدالة أو جرح، وإن أخرج لمن هذه صفته فإنه ينص على التوقف في الحكم على هذه الأحاديث بالصحة، بينما يرى ابن حبان تصحيح حديث من هذا حاله، ويوافقه الشيخ شعيب، ولعل هذا ما جعله يرجح ابن حبان على ابن خزيمة.
ومن أبرز الملاحظات على ما انتقد على ابن خزيمة، أن بعض هذه الإنتقادات لا تلزمه لأن:
منها أحاديث يتوقف في الحكم عليها بالصحة ويبين السبب في ذلك، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
§ أنه أخرج لعاصم بن عبيد الله، ثم قال: (أنا بريء من عهدة عاصم)، وذكر أقوال العلماء فيه.
§ أنه أخرج لمعمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، ثم قال: (أنا أبرأ من عهدة هذا الإسناد).
§ أنه أخرج لكليب بن ذهل عن عبيد بن جبير، ثم قال: (لست أعرفهما ولا أقبل دين من لا أعرفه بعدالة).
§ أخرج عن ابن المطوف عن ابيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (من أفطر يوما في رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقضه عنه صوم الدهر)، وأخرجه الحافظ في فتح الباري وقال صححه ابن خزيمة، ثم أخذ يذكر علل الحديث، وقد غلط على ابن خزيمة لأنه لما أخرجه، عقبه بالقول: (إن صح الخبر فإنني لا أعرف ابن المطوف ولا أباه).
ومنها أحاديث أوردها لظنه أنها صحيحة ثم تبين له أنها معلولة، فنص على ذلك ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
§ حديث الأعمش، الذي تقدم ص22.
§ أنه أخرج حديثا لموسى بن أبي عثمان عن أبي هريرة رضي الله عنه، ثم قال: (غلطنا في اخراج هذا الحديث لأنه مرسل، فموسى لم يسمعه من أبي هريرة، وأبوه روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أخبارا سمعها منه).
ومنها أحاديث أوردها وهو يعرف ضعفها، ولكنه أخرجها لكون الحديث عنده من غير هذه الطريق الضعيفة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
§ حديث (أفطر الحاجم والمحجوم)، فقد أخرجه من طريق ثوبان رضي الله عنه، ثم أخرجه من طريق الحسن عن ثوبان رضي الله عنه وهي طريق منقطعة، وقد نبه ابن خزيمة على ذلك بقوله: (الحسن لم يسمع من ثوبان)، فهي متابعة للطريق الأولى وليست أصلا يحتج به.
¥