§ بيانه للعلل الخفية، ومن الأمثلة على ذلك، ما أخرجه من طريق خالد الحذاء عن رجل عن أبي العالية عن عائشة رضي الله عنها في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في سجود التلاوة، (وهذه رواية ابن علية)، ثم أخرجه من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وخالد بن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي العالية عن عائشة رضي الله عنها، فلم يذكرا الراوي بين خالد الحذاء وأبي العالية، وعقب ابن خزيمة على هاتين الروايتين بقوله: إنما تركت إملاء هذا الحديث لأن بين خالد وأبي العالية رجلا لا يعرف ولم يذكره عبد المجيد وخالد الواسطي وإنما بينت هذا لئلا يتوهم أحد أن رواية عبد الوهاب وخالد الواسطي صحيحة، ومن الأمثلة أيضا تنبيهه على قلب المتن في رواية يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم وفيها: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم يمينه ما أنفقت شماله) وهذه رواية مسلم، فقد خولف يحيى على هذا اللفظ، والصواب مع من خالفه، رغم إمامته، والصحيح رواية البخاري: (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ما أنفقت يمينه).
§ تقديم المتن على السند، إذا كان في السند مقال، وقد صرح بأن من رواه على غير ذلك الوجه لا يكون في حل منه، كما نقل ذلك السيوطي في تدريب الراوي.
وبعد الإنتهاء من الكلام على صحيح ابن خزيمة رحمه الله، نعرض بصورة موجزة، أهم معالم منهج ابن حبان رحمه الله في صحيحه:
بداية، لابد من إعادة التنبيه على تأثر ابن حبان رحمه الله بشيخه ابن خزيمة، ويظهر هذا جليا، كما سبق، وقدمنا، في مسائل:
§ التساهل في التوثيق، وإن كان ابن خزيمة رحمه الله أحسن حالا منه، فصحيح ابن حبان رحمه الله، يأتي بعد صحيح شيخه ابن خزيمة، وهو أفضل حالا من مستدرك الحاكم.
§ وإدراج الحسن كقسم من الصحيح، لا كقسيم له، كما هو الحال عند جماهير المحدثين.
وجدير بالذكر أن هذه المسألة، مما استدرك به على ابن الصلاح رحمه الله، لما قال بمنع اجتهاد المتأخرين في الحكم على الأحاديث، والإكتفاء بأحكام المتقدمين، ممن يحكمون على الأحاديث، كالترمذي رحمه الله، أو يشترطون الصحة، كابن حبان، وهذا بطبيعة الحال، غير مسلم به عند النظر إلى صحيحي ابن خزيمة وابن حبان، لأننا قد نرفع بعض أحاديثهما عن درجتها الحقيقية، فربما كان الحديث عندهما، صحيحا، وهو في الحقيقة حسن، لا يرقى لدرجة الصحيح، لأنهما، كما سبق لايفرقان بينهما، وهذا لايظهر بطبيعة الحال، لا يظهر إلا بالبحث والنظر.
مسألة: ترتيب ابن حبان رحمه الله لصحيحه:
لم يرتب ابن حبان رحمه الله كتابه على الأبواب، كما رتب بقية أصحاب الجوامع كتبهم، وإنما رتبه ترتيبا مخترعا، كما سبق ذكر ذلك، أسماه التقاسيم والأنواع، حيث قسم كتابه إلى 5 أقسام، تحت كل قسم عدد من الأنواع، وهي:
§ الأوامر، وهي 110.
§ النواهي، وهي 110.
§ الأخبار، وهي 80 نوعا.
§ الإباحات، وهي 50 نوعا.
§ أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي انفرد بها، وهي 50 نوعا.
وبهذا تبرز صعوبة البحث عن أي حديث في صحيح ابن حبان بهذا الترتيب، لأن الباحث فيه، إما أن يستعرض الكتاب بأكمله للبحث عن حديث ما، وإما أن يحفظ الكتاب بأكمله، وكلا الأمرين صعب.
وجدير بالذكر أن ابن حبان رحمه الله، لم يقصد حصر كل أنواع السنن، وقد سبق، أن ابن حبان رحمه الله، مع خفة شرطه، وفى به، خلاف الحاكم رحمه الله، الذي علا شرطه، ولكنه لم يوف به.
مسألة: شروط الراوي الموثق عند ابن حبان رحمه الله:
¨ العدالة في الدين بالستر الجميل: وهو مخالف فيه، لأنه كما سبق، يرى أن الأصل في المجهول العدالة، دون اشتراط تعديله، ولو من واحد من أئمة الجرح والتعديل المعتبرين، فالراوي قد يكون ظاهر العدالة، غير معلوم الباطن، وقد يكون ظاهر العدالة، ولكنه كثير الخطأ والوهم في حديثه، وعلى هذا، فإن هذا الشرط قيد لإخراج من عرف بالجرح فقط.
¨ الصدق: للإحتراز من ظاهر العدالة، غير الصادق.
¨ العقل: أن يكون عاقلا بمعنى الحديث، فلا يكون مجرد ناقل للحديث.
¥