تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى فرض أنهم قاموا فشهدوا فالغالب أن قومه عندما يسمعون شهادة الثلاثة من ذوي الحجا فيهم يجمعون له ما يكفيه بدون أن يحتاج إلى مسألة، وعلى هذا فقد أغنى الله عز وجل ذلك المحتاج بدون مسألة؛ لأن مطالبة الثلاثة بأن يشهدوا ليس مسألة لهم، وإظهاره الحاجة ليس بمسألة صريحة، وإظهاره العزم على المسألة ليس بمسألة فتدبر، وليس في الشهادة والإخبار أثر لهذا المعنى، على أن المحتاج مضطر إلى أن يستشهد الثلاثة، فلا يكون في اشتراط ذلك مفسدة، والشاهد والمخبر غير مضطرين إلى الشهادة والإخبار، بل إن شروط أن يتقدم تعديل الثلاثة على الشهادة والإخبار ـ ما هو مقتضى حملهما على المسألة كما مر ـ وجد الشاهد عذراً لعدم حضوره إلى الحاكم، وأما المخبر فيجد عذراً لكتمانه العلم.

وقال جماعة: لابد من اثنين، قال السخاوي في فتح المغيث ص123: حكاه القاضي أبو بكر بن الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم؛ لأن التزكية صفة فيحتاج في ثبوتها إلى عدلين. كالرشد والكفاءة وغيرهما، وقياساً على الشاهد بالنسبة لما هو المرجح فيها عند الشافعية والمالكية بل هو قول محمد بن الحسن واختاره الطحاوي وعارض الخطيب في الكفاية ص47 هذا القياس بقياس آخر حاصله أنه لا يكفي في شهود الزنا إلا أربعة، ومع ذلك اكتفى في إثبات الإحصان الذي به ثبت الرجم باثنين، وقد اكتفى في الأخبار بواحد، و العدالة صفة ك الإحصان، فيجب أن يكتفي في إثباتها بدون ما اكتفى به في الأخبار، إلا أنه غير ممكن وكأن الخطيب عدل عما هو أوضح في هذا خوف النقض؛ وذلك أن أوضح من هذا أن يقال: لم يكتف في عدد شهود الزنا بأقل من أربعة واكتفى في عدد مزكيهم باثنين وواحد عند " قوم" فقياس ذلك أن يكفي في عدد مزكى المخبر دون ما يكفي في عدد المخبر، ونقضه أن يقال: قد اكتفى قوم في الأموال بشاهد ويمين، ولم يكتفوا في تعديل هذا الشاهد إلا باثنين اتفاقاً، وهذا كله حجاج، والصواب إنما هو النظر في النصوص، فإن وجد فيها دلالة بينه، فذاك، وإلا نظر في التعديل أشهاده هو أم خبر، أم شهادة في تعديل الشاهد وخبر في تعديل المخبر، فإن تعين واحد من هذه الثلاثة فذاك، وغلا نظر في الحكمة التي لأجلها فرق الشارع بين الشهادة و الخبر، ثم ينظر في التعديل " أمثل " الشهادة في تلك الحكمة، أم كالخبر، فهذه ثلاثة مسالك.

فأما النصوص فهاكها فمنها حديث الصحيحين عن أنس في الثناء على الميت وفيه " مر بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنه وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض ".

" ولهما من طريق أبي الأسود عن عمر نحو هذه كقصته فقال أبو الاسود: فقلت: وماوجبت ياأمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا أو ثلاثة؟ قال: وثلاثة فقلنا أو اثنان؛ قال: واثنان ثم لم نسأله عن الواحد ".

فورد تفسير هذا بما رواه أحمد وابن حبان و الحاكم في حديث أنس مرفوعاً " ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً إلا قال الله تعالى: قد قبلت قولكم وغفرت له مالا تعلمون " ذكره الحافظ في الفتح وإيضاحه أن في الصحيحين. أيضاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم " كل أمتي معافى إلا المجاهرين" وعقبه البخاري بحديث ابن عمر مرفوعاً " يدنوا أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه ثم يقول: عملت كذا وكذا فيقول نعم ويقول: عملت كذا وكذا فيقول: نعم فيقرره ثم يقول إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم ".

وفي معنى هذا أحاديث أخرى في أن من ستره الله عز وجل من المؤمنين في الدنيا لم يفضحه في الآخرة.

ومن السر في ذلك والله أعلم؛ أن الإنسان إذا أظهر المعصية كان ذلك مما يجرئ الناس عليها أولاً: لأنه يكثر تحدثهم بها فتتنبه الدواعي إلى متعها، وقد قال الله تبارك وتعالى ?إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ? النور آية 19.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير