تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وثانياً: لأنه إذا لم يُعاجل بالعقوبة هانت على الناس.

ثالثاً: لأن العاصي يتجرأ على المعاصي بعد ذلك؛ لأنه كان يخاف أولاً على شرفه وسمعته وبعد الفضيحة لم يبق ما يخاف عليه، بل يقول كما تقول العامة: " يا آكل الثوم كل وأكثر ".

رابعاً: أنه يحرص على أن يدعو الناس إلى مثل فعله، ليشاركوه في سوء السمعة فتخف الملامه عنه.

خامساً: نخرج بذلك عن قول الله عز وجل ?كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ? آل عمران آية 110 لأنه إن أمر بمعروف أو نهى عن المنكر قيل له: ابدأ بنفسك ألم تفعل كذا وكذا؟!.

سادساً: يكون سبباً لعدم إفادة أمر غيره بالمعروف ونهيه عن المنكر؛ لأن من يؤمر أو ينهي يقول: لستُ وحيداً في هذا، قد فعل فلان كذا وفلان كذا، وأنا واحد من جملة الناس.

سابعاً: أن ذلك يقلل خوف الناس من الله عز وجل، يقول أحدهم: أنا من جملة عباد الله العاصين هذا فلان وهذا فلان وذاك فلان، وقد تقدم في فصل (5) حديث " ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ".

وفي الصحيحين " لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل ".

وقد قال الله عز وجل ?ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون? النحل آية 25.

وقوله " بغير علم " يصح أن يكون حالاً من الفاعل والمفعول معاً فيدخل فيه أن المتبوع يحمل من أوزار من تبعه وإن لم يعلم بأنهم يتبعونه كما أن ابن آدم الأول لم يكن يعلم بمن سيستن به في القتل، وليس ما تقدم بمخالف لقول الله عز وجل ?ألا تزر وازرة وزر أخرى? النجم آية 38. وما في معناها لأن التحقيق أن المتبوع إنما عذب بوزره. وبيان ذلك أن أصل الإثم في المعصية منوط بتعمدها، وأما زيادة قدره فمنوط بما ينشأ عنها في المفاسد، ألا ترى لو أن ثلاثة صوبوا بنادقهم إلى ثلاثة قاصدين رميهم، ثم أطلقوا بنادقهم أن أصل الاجرام قد وقع من كل منهم، وأما زيادة مقداره فموقوف على ما ترتب على ذلك الفعل فلو أخطأ أحدهم واصاب آخر فجرح وأصاب الثالث فقتل، لكان جرم الثالث أغلظ من جرم الثاني وجرم الثاني أغلظ من جرم الأول.

وقد حرم الله عز وجل ما حرم ولم يفصل ما يترتب على المحرمات من المفاسد فمن علم بالتحريم ثم أقدم على الفعل فقد التزم ما يترتب عليه من المفاسد فدخلت كلها في وزره وإن لم يعلم بتفصيلها فتدبر.

هذا وقوله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله عز وجل يقول:" وغفرت له مالا يعلمون " ظاهر في أن شهادتهم إنما تنفع إذا كانت مطابقة لعلمهم لأنه إنما يغفر له مالا يعلمون فإن ك انوا علموا شراً فكتموه وقالوا: لم نعلم إلا خيراً أو نحو ذلك، لم ينفعه ذلك، بل يضرهم لأنهم شهدوا زوراً، وبناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ا لحكم على ثناء الناس بقوله:" وجبت " صريح في أن الذين أثنوا كانوا عدولاً عنده صلى الله عليه وسلم. فبنى على أن شهادتهم مطابقة للواقع في أن الذي أثنوا عليه خيراً لم يظهر منه للناس إلا خيراً.

وإذا كان الإنسان بحيث لا يظهر منه لجيرانه الأدنين ونحوهم من أهل الخبرة إلا الخبرة الخير العدل، والمثنى عليه منهم بذلك معدل له، فالمثنون على الميت من جيرانه وأهل الخبرة به معدلون له، وقد نص في الحديث على أنه يكفي في ذلك الأربعة، ويكفي الثلاثة، ويكفي الاثنان، ففي هذا دليل واضح على كفاية الاثنين في التعديل.

ويبقى النظر في الواحد فقد يقال: قد ثبت في حديث جابر وغيره أنه كان للصحابة رضي الله عنهم أن يراجعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتين، فإذا قال الثالثة، لم يكن لهم أن يراجعوه بعدها، وشواهد هذا في الأحاديث كثير، فابتداؤه صلى الله عليه وآله وسلم بذكر الأربعة يشعر بالني عن السؤال عن الواحد؛ وذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم لعله إنما ابتدأ بالأربعة مستشعراً أنهم سيراجعونه فيسألونه عن الثلاثة، ثم راجعونه ثانية فيسالونه عن الاثنين، ثم يقفون؛ لما تقرر عندهم من المنع عن المراجعة فوق اثنتين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير