يتضح من كلام المتقدمين إذا ذكروا طريقة الرواة في روايتهم ما لم يسمعوه أنهم يأتون بألفاظ عدية محتملة للسماع، ويندر أن يذكروا (العنعنة) من بينها، ومن الألفاظ التي ذكروها:
أولاً: أن يقول (قال فلان)، وهو كثير جداً من تصرفات المدلسين والرواة عموماً في ذكرهم ما لم يسمعوه، ومن أمثلته:
1 - قول يحيى بن سعيد القطان (1): (كان ابن جريج صدوقاً فإذا قال حدثني فهو سماع،
وإذا قال: أخبرنا أو أخبرني فهو قراءة، وإذا قال: قال فهو شبه الريح) اهـ.
وقال أحمد بن حنبل (2): (إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني وسمعت فحسبك به) اهـ.
وقال أيضاً (3): (إذا قل ابن جريج: قال فاحذره، وأذا قال: سمعت أو سألت جاء بشئ ليس في النفس منه شئ) اهـ.
2 - وقال أيضاً (4): (كان ابن إسحاق يدلس إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد يبين إذا كان
سماعاً قال: حدثني، وإذا لم يكن قال: قال) اهـ.
3 - وقال أيضاً (5): (ـ في ابن وهب ـ كان حديثه بعضه سماع، وبعضه عرض، وبعضه
مناولة، وكان ما لم يسمعه يقول: قال حيوه، قال فلان) اهـ.
4 - وقال أيضاً (6): (قال سفيان: وكان عبد الكريم أول من جالسته قبل عمرو بن دينار
فكان كثيراً من حديثه لا يقول فيه: سمعت، يقول: قال فلان ففررت منه، وذهبت إلى عمرو بن دينار وكان يقول: سمعت، سمعت وحدثنا.
قال سفيان: وكان عبد الكريم إذا لقيني فهو يومي لا يفارقني يقول هات حدثني ما
سمعت فأحدثه) اهـ.
5 - وقال أيضاً (1): (وقال كان ابن أبي رائطة إذا قال: قال ابن جريج عن فلان، فبم
يسمعه، وكان يحدث عن ابن جريج فلا يجئ بالألفاظ والأخبار) اهـ.
6 - وقال شعبة (2): (كنت أعرف إذا جاء ما سمع قتادة مما لم يسمع، كان إذا جاء ما سمع
قال: حدثنا أنس بن مالك، حدثنا الحسن، حدثنا مطرف، حدثنا سعد، إذا جاء ما لم يسمع قال: قال سعيد بن جبير، قال أبو قلابة).
وقوله أيضاً (3): (كنت أتفطن إلى فم قتادة، فإذا قال: سمعت أو حدثنا حفظت،
وإذا قال: حدث فلان تركته).
وقال أيضاً (4): (لأن أزني أحب إلى من أن أقول: قال فلان ولم أسمع منه) اهـ.
7 - وقال سليمان بن حرب (5): (حدثني أبو النعمان قال قال حماد: إني أكره إذا كنت لم
أسمع من أيوب حديثاً أن أقول: قال أيوب كذا وكذا، فيظن الناس أني قد سمعته منه) اهـ.
8 - وقال يحيى بن معين (6):
(سمعت هشيماً يحدث يوماً فقال:حدثنا علي بن زيد، ثم ذكر أنه لم يسمعه من علي بن زيد، فتنحنح ثم قال: سووا الطريق، ثم قال: قال على بن زيد) اهـ.
9 - وقال سفيان الثوري (7):
(إذا قال لك جابر: حدثني وسمعت فذاك، وإذا قال: قال فلان وقال فلان فلا) اهـ.
10 - وقال البخاري (8): (حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا زهير قال: قدمت البصرة فرأيت
حميداً وعنده أبو بكر بن عياش، وجعل حميد يقول: قال أنس، فلما فرغ قلت له: أسمعت هذا، قال: سمعت عمن أحدث عنه.
قال محد (البخاري): يعني أنه لم يقل سمعت أنساً وسمعت عمن أحدث عنه قال محمد: وكان حميد يدلس) اهـ.
11 - وقال الخطيب (1): (وممن كان لا يذكر الخبر في أكثر حديثه حجاج بن محمد الأعور
فإنه كان يروي عن ابن جريج كتبه ويقول فيها: قال ابن جريج: فحملها الناس عنه واحتجوا برواياته لأنه قد كان عرف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه) اهـ.
ثانياً: ومن ذلك أن يقول الراوي لما لم يسمعه (حدث فلان)، ومن أمثلته::
قول شعبة (2): (كنت أتفقد فم قتادة فإذا قال: سمعت أو حدثنا حفظت، وإذا قال: حدث فلان تركته) اهـ.
وقوله أيضاً (3) (كنت أتفطن إلى فم قتادة إذا حدث، فإذا قال حدث ما قد سمع قال: حدثنا سعيد بن المسيب، وحدثنا أنس، وحدثنا الحسن، وحدثنا مطرف، فإذا حدث بما لم يسمع قال: حدث سليمان بن يسار، وحدث أبو قلابة) اهـ.
ثالثاً: ومن ذلك أن يقول الراوي لما لم يسمعه (ذكر فلان).
ومن أمثلته:
¥