قول علي بن المديني (4): (لم أجد لابن إسحاق إلا حديثين منكرين: نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا نفس أحدكم يوم الجمعة)، والزهري عن عروة عن زيد بن خالد: (إذا مس أحدكم فرجه)، هذان لم يروهما عن أحد، والباقون يقول: ذكر فلان، ولكن هذا فيه حدثنا) اهـ.
رابعاً: ومن ذلك أن يقول (فلان) ولا يقول قبله شيئاً،
ومن أمثلته:
قول الإمام أحمد (5): (كل شئ يقول ابن جريج: قال عطاء، أو: عطاء، فإنه لم يسمعه من عطاء) اهـ.
خامساً: ون ذلك أن يقول الراوي _ حدثنا وسمعت) ثم يسكت ثم يقول فلان ولا يقصده بالتحديث الأول،
ومن أمثلته:
1 - قول الإمام أحمد (1) (كان هشيم يوماً يقول حدثنا وأخبرنا ثم ذكر أنه لم يسمع فقال يا
صباح قل لهم توسعون الطريق حتى يمر الصبي والمرأة ثم قال (2): فلان عن يونس وفلان عن مغيرة) اهـ.
وقال يعقوب بن أبي شيبة (3): (سمعت أبا الأحوص البغةي إن شاء الله أو حدثنيه حسن ابن وهب عنه ـ وذكر هشيماً وتدليسه ـ فقال: جلست إلى جانبه وهو يحدث، فجعل يقول: أخبرنا برفع صوته، ثم يسكت فيقول فيما بينه وبين نفسه: فلان، ثم يرفع صوته: داود عن الشعبي عن فلان عن فلان) اهـ.
2 - وعن الإمام أحمد أنه (4): (ذرك عمر بن علي فأثنى عليه خيراً وقال كان يدلس، يقول
: حجاج سمعته ـ يعني حديثاً آخر ـ كذا كان يدلس) اهـ.
وقال ابن سعد عنه أيضاً (5): (وكان يدلس تدليساً شديداً، وكان يقول: سمعت وحدثنا ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة الأعمش) اهـ.
خامساً: ومن ذلك أن يقول (عن فلان)، ومن أمثلته:
قول النسائي (6) في (بقية بن الوليد): (إن قال أخبرنا أو حدثنا فهو ثقة وإن قال (عن) فلا يؤخذ عنه لا يدري عمن أخذه) اهـ.
فيحصل مما سبق أن معظم ـ إن لم يكن كل ـ ما دلسه الرواة يكون بذكر ألفاظ ليسبها العنعنة، وذلك بأن يقول (قال فلان) ونحوه، فذكر العنعنة بين الراوي المدلس وشيخه لا يدل على أن المدلس هو الذي ذكرها، فلا يبني حكم على مجرد وجود هذه العنعنة هنا، ويتضح هذا أكثر في:
المقام الثاني
وهو في إثبات أن العنعنة تكون من تصرفات الرواة عن المحدث
لا من قول المحدث في الغالب
فمن تتبع نقول العلماء وتصرفاتهم والنظر في الأسانيد يتضح أن العنعنة في الغالب تكون من تصرفات من دون المدلس، وهذا الأمر يعتمد اعتماداً على جمع الطرق وعلى القرائن المحتفة بالأسانيد والرواة ونحو ذلك. وتغيير الصيغة التي حدث بها الراوي تكون على قسمين:
القسم الأول
الانتقال من أي صيغة حدث بها المحدث إلى العنعنة
وذلك كأن تكون صيغة أداء المدلس ـ أو الراوي عموماً ـ هي (حدثنا) أو (أخبرنا) أو (قال) ونحوها مما فيه التصريح بالتحديث أو لا، فيتصرف فيها الراوة عنه ويجعلونها بالعنعنة، وهذا الأمر كثير جداً من فعل الثقات الحفاظ ومن دونهم، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
1 - دلالة اللغة: فإن (عن فلان) جار ومجرور لا بد لها من متعلق (1)، والمتعلق يكون
ظاهراً في الغالب، فقول الراوي (حدثنا فلان عن فلان) يدل على أن قوله (عن فلان) متعلق بالفعل (حدثنا) فالفعل ومتعلقه قال المعلمي (2) رحمه الله:
(اشتهر في هذا الباب (العنعنة)، مع أن كلمة (عن) ليست من لفظ الراوي الذي يذككر اسمه قبلها، بل هي من لفظ من دونه، وذلك كما لو قال همام (حدثنا قتادة عن أنس) فكلمة (عن) من لفظ (همام) لأنها متعلقة بكلمة (حدثنا) وهي من قول (همام)، ولأنه ليس من عادتهم أن يبتدئ فيقول (فلان ... ) كما ترى بعض أمثلة ذلك في بحث التدليس من (فتح المغيث) وغيره، ولهذا يكثر في كتب الحديث إثبات (قال) في أثناء الإسناد قبل (حدثنا) و (أخبرنا)،
¥