وتراه أيضا: يقدم المنسوخ ثم يعقبه مباشرة بالناسخ، ويشير ويبين بعض العلل أحيانا، ويؤدي كما سمع من غير أدنى تصرف في الإسناد، أو في المتن ـ ولو كان لا يخل بالمعنى ـ .. وهكذا سرد أحاديث كتابه كلها.
قال العلامة المعلمي ـ رحمه الله ـ في الأنوار الكاشفة ص29:
عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها: يقدم الأصح فالأصح.
وقال ص 230: من عادة مسلم في صحيحه أنه عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدم الأصح فالأصح، فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال، أو خطأ تبينه الرواية المقدمة في ذاك الموضع.
تنبيه: بالنسبة للطبقات التي ذكر مسلم أنه سيذكرها .. قد اختلف أهل العلم هل أخرجها أم لا؟
وإن كان الأول فكيف ... ؟
تجد الجواب بتوسع في كتاب الشيخ الدكتور حمزة المليباري "عبقرية مسلم" ص51، وما بعدها، فقد سرد ـ حفظه الله ـ أقوال العلماء، وناقشها نقاشا علميا رصينا.
وتجد الكلام عليها أيضا: في شروح الصحيح في موضعه من المقدمة.
المبحث التاسع:
شرط مسلم في صحيحه:قال ابن الصلاح في صيانة مسلم ص 1218: شرط مسلم في صحيحه: أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ، ومن العلة، وهذا هو حد الحديث الصحيح في نفس الأمر، فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف، فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته.
وعنه النووي بحروفه 1/ 130.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية 18/ 42: و أما شرط البخاري ومسلم، فلهذا رجال يروى عنهم يختص بهم، ولهذا رجال يروى عنهم يختص بهم، وهما مشتركان في رجال آخرين، وهؤلاء الذين اتفقا عليهم؛ عليهم مدار الحديث المتفق عليه، وقد يروى أحدهم عن رجل في المتابعات، والشواهد دون الأصل، وقد يروى عنه ما عرف من طريق غيره، ولا يروى ما انفرد به، وقد يترك من حديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه، فيظن من لا خبرة له إن كل ما رواه ذلك الشخص يحتج به أصحاب الصحيح وليس الأمر كذلك.
وقال العلامة ابن رجب في شرح علل الترمذي 2/ 613:
وأما النسائي فشرطه ـ فذكره ـ وأما مسلم فلا يخرج إلا حديث الثقة الضابط، ومن في حفظه بعض شيء، وتكلم فيه لحفظه لكنه يتحرى في التخريج عنه، ولا يخرج عنه إلا ما لا يقال إنه مما وهم فيه. اهـ
وانظر: شروط الأئمة الستة للحافظ ابن طاهر المقدسي ص86 - 88 تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة، وتدريب الراوي 1/ 134ففيها فوائد، وزيادة تفصيل. والله أعلم.
وفي اسمه الذي ذكره الشيخ أبوغدة: إشارة لشرطه.
المبحث العاشر:
هل شرط مسلم في المقدمة كباقي الكتاب؟ قال الإمام ابن القيم في "كتاب الفروسية " ص135 ... وأما قولكم: إن مسلما روى لسفيان بن حسين في صحيحه، فليس كما ذكرتم، وإنما روى له في مقدمة كتابه، ومسلم لم يشترط فيها ما شرطه في الكتاب من الصحة، فلها شأن، ولسائر كتابه شأن آخر، ولا يشك أهل الحديث في ذلك. اهـ.
وكذا رمز الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيب الكمال 1/ 149: لمن خرج له مسلم في المقدمة برمز:" مق "، ومن خرج له في الصحيح بـ:" م "، وكذا بعض الكتب التي تفرعت عنه كالتذهيب للذهبي، وإكمال مغلطاي، والتهذيب، والتقريب لابن حجر، والخلاصة للخزرجي.
المبحث الحادي عشر:
عدد أحاديث الكتاب: قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 12/ 566:قال أحمد بن سلمة: .. وهو اثنا عشر ألف حديث، قلت [الذهبي]: يعني بالمكرر بحيث إنه إذا قال: حدثنا قتيبة، وأخبرنا ابن رمح يعدان حديثين اتفق لفظهما، أو اختلف في كلمة. اهـ.
وقال أبو قريش الحافظ: كنت عند أبي زرعة، فجاء مسلم بن الحجاج، فسلم عليه، وجلس ساعة، وتذاكرا، فلما أن قام، قلتُ له: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح قال فلمن ترك الباقي ..
صيانة مسلم ص1226، وسير أعلام النبلاء 12/ 280.
قال ابن الصلاح: أراد، ـ والله أعلم ـ أن كتابه أربعة آلاف حديث أصول دون المكررات.
وقيل: غير ذلك ..
وعددها حسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي بدون المكرر (3033).
وفي طبعة خليل مأمون شيحا بالمكرر (7479) وقد قابل كل سند منها بتحفة الأشراف، ووضع رقمه في التحفة في حاشية الصحيح.
وعلى كلٍ فالعدُ اجتهادي تقديري، فيختلف من شخص لآخر، فلو عُدّت كما قال الذهبي في تعقيبه على رواية أحمد بن سلمة لاختلف العدد كثيرا. والله أعلم.
¥