وقال عباس الدوري عن ابن معين: «كتبت "الجامع الصغير" عن محمد بن الحسن». وقد درس ابن معين الفقه على أبي يوسف، وبقي له محباً، حتى أن الذهبي بالغ فجعل ابن معين من الحنفية الغلاة. وقد حدث خلاف وتنافس بين أبي يوسف ومحمد بن الحسن على زعامة الأحناف، فهذا سبب حمل ابن معين الشديد على محمد. وأما التكذيب فالمقصود به الخطأ في نسبة الرأي إلى أبي يوسف (كما سيأتي). وأما التجهم فالمقصود به الإرجاء (كما سيأتي).
وقال عمرو بن علي: «ضعيف».
وكذلك قال النسائي.
الجنيدي، ثنا البخاري، قال أحمد بن عبدة (ثقة)، عن عبدان، سمعت منصور بن خالد (مجهول) يقول: اطلعت إلى محمد بن الحسن، سمعته يقول: «لا ينظر أحد إلى كلامنا يريد به الله». قال: «فاكتفيت بذاك منه». أقول: هذا كذبة باهتة.
قال ابن عدي (6
174): «ومحمد بن الحسن هذا، ليس هو من أهل الحديث، ولا هو ممن كان في طبقته يعنون بالحديث، حتى أذكر شيئاً من مسنده. على أنه سمع من مالك الموطأ. وكان يقول لأصحابه: "ما رأيت أسوأ ثناءً منكم على أصحابكم، إذا حدثتكم عن مالك ملأتم علي الموضِع. وإذا حدثتكم عن غيره تجيئوني متكارهين". وإنما أراد به أبو حنيفة وأصحابه. والاشتغال بحديثه شغل لا يحتاج إليه، لأنه ليس هو من أهل الحديث فينكر عليه. وقد تكلم فيه من ذكرنا. وقد استغنى أهل الحديث عما يرويه محمد بن الحسن وأمثاله». أقول: إنما استغنوا عنه لخلافهم معه في الرأي. وأما حديثه فلم يستطع ابن عدي أن يأتي بما يثبت ضعف محمد بن الحسن فيه. وهذا موطأه عن مالك يشهد له بالإتقان.
ذكر حمزة بن إسماعيل الطبري (كذاب)، عن محمد بن أبي منصور (ليس بذاك)، عن أبي نعيم قال: قال أبو يوسف: «محمد بن الحسن يكذب علي».
قرأت على الحسن بن أبي بكر عن احمد بن كامل القاضي قال أخبرني أحمد بن القاسم عن بشر بن الوليد (صدوق أصابه الخرف) قال: قال أبو يوسف: «قولوا لهذا الكذاب -يعنى محمد بن الحسن-: هذا الذي يرويه عني، سمعه مني؟».
قال أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب: أنبانا محمد بن حميد المخرمي قال: نبأنا علي بن الحسين بن حبان قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: قال أبو زكريا -يعنى يحيى بن معين-: سمعت محمد بن الحسن صاحب الرأي، وقيل له: «هذه الكتب سمعتها من أبي يوسف؟». فقال: «لا والله، ما سمعتها منه. ولكني من أعلم الناس بها. وما سمعت من أبي يوسف إلا "الجامع الصغير"». أقول: هذا مما يكذب القصة الأولى، لأن محمد بن الحسن يخبر الناس بأنه لم يسمع من أبي يوسف إلا "الجامع الصغير" (وهو الذي كتبه عنه ابن معين).
قال الكوثري: «نعم، سبق أن كَذَّب أبو يوسف محمداً في مسائل عزاها إليه. ولما بلغ الخبر محمداً قال: "كلا، ولكن الشيخ نسي". ثم تَبَيَّنَ أن قول محمد هو الصواب».
الذم في عقيدته
أحمد بن محمد بن غالب قال: حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الأدمي قال: نبأنا محمد بن علي الأيادي قال: نبأنا زكريا الساجي قال: «محمد بن الحسن كان يقول بقول جهم وكان مرجئاً». أقول: قد كان محمد بن الحسن تبعاً لشيخه أبي حنيفة ولشيخ شيخه حماد بن أبي سليمان، وكلهم من مرجئة الفقهاء. بخلاف أبي يوسف القاضي، الذي كان سلفياً.
الحسن بن أبي الحسن قال: حدثني محمد بن شاذان، ثنا إسحاق بن راهويه، سمعت يحيى بن آدم يقول: «كان شريك لا يجيز شهادة المرجئة. فشهد عنده محمد بن الحسن، فلم يجز شهادته. فقيل له: "هذا محمد بن الحسن". فقال: "أنا لا أجيز شهادة من يقول الصلاة ليست من الإيمان"». أقول: كان شريك شيعياً جلداً، وكان محمد بن الحسن أحسن منه، وإن كان مرجئاً.
محمد بن الحسين بن محمد المتوثي قال" أنبأنا أحمد بن عثمان بن يحيى الأدمي قال: نبأنا محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل الترمذي قال: سمعت أحمد بن حنبل، وذّكَرَ ابتداء محمد بن الحسن فقال: «كان يذهب مذهب جهم». وقد روي هذا القول بلفظ قريب: «كان محمد بن الحسن في الأول يذهب مذهب جهم». وهذا يدل على أنه كان يذهب مذهب جهم ثم رجع. والظاهر أن المقصود هو بدعة الإرجاء، مع الفارق الكبير بين مرجئة الفقهاء وبين مرجئة الجهمية.
البرقاني قال: نا يعقوب بن موسى الأردبيلي قال: نبأنا أحمد بن طاهر بن النجم الميانجي قال: نبأنا سعيد بن عمرو البرذعي قال: سمعت أبا زرعة يعنى الرازي يقول: «كان أبو حنيفة جهمياً، وكان محمد بن الحسن جهمياً، وكان أبو يوسف سليماً من التجهم». قلت: كانوا يطلقون التجهم على الإرجاء تخويفاً للناس منه. لكن جاء في سؤالات البرذعي المطبوعة (1
570): سمعت أبا زرعة يقول: «كان أبو حنيفة جهمياً، وكان محمد بن الحسن جهمياً، وكان أبو يوسف جهمياً بين التجهم». وهذا لا شك أنه غلط، فلم يكن أبو يوسف مرجئاً.
أبو طالب عمر بن إبراهيم بن سعيد الفقيه قال: نا محمد بن العباس الخزاز قال: نا أبو طالب أحمد بن نصر بن طالب (ثقة) قال: نا أبو النصر إسماعيل بن ميمون العجلي قال: حدثني عمى نوح بن ميمون (ثقة) قال: «دعاني محمد بن الحسن إلى أن أقول القران مخلوق، فأبيت عليه. فقال لي: "زهدت في نصفك". فقلت له: "بل زهدت في كلك"».
عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي يذكر، أن خيثمة بن سليمان القرشي (الطرابلسي) أخبرهم قال: نبأنا سليمان بن عبد الحميد البهراني (ناصبي اتهمه النسائي بالكذب) قال: حدثنا عبد السلام بن محمد (الحضرمي) قال: سمعت بقية (شديد التدليس) يقول: قيل لإسماعيل بن عياش: «يا أبا عتبة. قد رافق محمد بن الحسن يحيى بن صالح من الكوفة الى مكة». قال: «أمَا أنه لو رافق خِنزيراً كان خيراً له منه». قلت هذه بذاءة يُجلّ عنها ابن عياش، ولا يصح الإسناد إليه.
روى اللالكائي في "أصول السنة" عن محمد بن الحسن قال: «اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه. فمن فسّر اليوم شيئاً من ذلك، فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة. فإنهم لم يصفوا و لم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب و السنة ثم سكتوا». قلت: وهذا والله إجماع صحيح، فأين ما ينسبونه للتجهم؟ إنما يقصدون الإرجاء فحسب.
¥