وأما كلام أهل اللغة فقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة 3/ 335 في مادة (صحب) قال: الصاد والحاء والباء أصل واحد يدلُّ على مقارنة شيء ومقاربته من ذلك الصاحب والجمع الصحب كما يقال راكب وركب، ومن الباب أصحب فلان إذا انقاد وأصحب الرجل إذا بلغ ابنه، وكل شيء لازم شيئاً فقد استصحبه.اهـ.
وقال ابن سيده في المحكم 3/ 119: وصاحبه عاشره، والصاحب المعاشر.اهـ.
وقال ابن منظور في اللسان 1/ 519 بمثل ما جاء في المحكم وفيهما (5) أيضاً: وصحب المذبوح: سلخه – في بعض اللغات –اهـ. وقال صاحب القاموس بمثل ما تقدم 1/ 91.
وفي المعجم الوسيط 1/ 507: صاحبه رافقه، واستصحب الشيء لازمه. والصاحب: المرافق ومالك الشيء والقائم على الشيء ويطلق على من اعتنق مذهباً أو رأياً. والصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام.اهـ.
وفي الإفصاح في فقه اللغة ص 708: الصحبة المعاشرة.
فهذا كلام أهل اللغة ليس فيه اشتراط (6) طوال الملازمة في الصحبة أو ذكر حد معين لها سوى الملازمة والمرافقة وهذا يطلق على القليل والكثير ولذلك بيَّن ابن فارس أصل الصحبة أنها تدل على المقارنة والمقاربة.
ولذلك قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 4/ 464: والصحبة اسم جنس يقع على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً أو كثيراً لكن كل منهم له من الصحبة بقدر ذلك. فمن صحبة سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه مؤمناً، فله من الصحبة بقدر ذلك.
كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ - فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم ثم يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم".
فقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بصحبته وعلق برؤيته وجعل فتح الله على المسلمين بسبب من رآه مؤمناً به، وهذه الخاصية لا تثبت لأحد غير الصحابة ولو كان أعمالهم أكثر من أعمال الواحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم.
وقال الفيومي في المصباح ص 333 في مادة (صحبته): والأصل في هذا الإطلاق لمن حصل له رؤية ومجالسة ووراء ذلك شروط للأصوليين. اهـ.
قلت: بيَّن الفيومي أن الأصل في الصحبة هو لمن حصل له رؤية ومجالسة وأن هذا معناه في اللغة، وأن الأصوليين شرطوا شروطاً أخرى ولم تكن موجودة في اللغة وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على هذه المسالة. وهذا ما ذهب إليه الجمهور (7) وهو المشهور عند أهل الحديث (8) قال الإمام أحمد: كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه. اهـ (9).
وقال البخاري في صحيحه 5/ 2: ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه. وقال الواقدي: رأيت أهل العلم يقولون: كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أدرك الحلم وأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار، ولكن أصحابه على طبقاتهم وتقدمهم في الإسلام. اهـ. من الكفاية ص 50.
وأما من قال: إن مذهب الأصوليين هو: اشتراط طول الصحبة والملازمة (10) حتى يطلق عليه اسم الصحبة أو نحو هذا، فهذا الكلام باطل من أوجه:
1 - تقدم أن الذي دل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية هو خلاف هذا القول.
2 - أننا لو أردنا قولاً بلا دليل – ونعوذ بالله من ذلك – لقلنا بقول أهل الحديث لأنهم أعلم بهذه المسألة من غيرهم وتقدم أنهم يذهبون إلى خلاف هذا القول.
3 - أن الأصوليين لم يتفقوا على هذا القول بل ذهب كثير منهم إلى خلافه، قال الآمدي في الأحكام 2/ 130: اختلفوا في مسمى الصحابي: فذهب أكثر أصحابنا وأحمد بن حنبل إلى أن الصحابي من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يختص به اختصاص المصحوب ولا روى عنه ولا طالت مدة صحبته.
قلت: ثم ذكر القول الآخر ثم قال: ويدلّ على ذلك ثلاثة أمور:
¥