الأول: أن الصاحب اسم مشتق من الصحبة والصحبة تعم القليل والكثير ومنه يقال: صحبته ساعة وصحبته يوماً وشهراً. وأكثر من ذلك كما يقال: فلان كلمني وحدثني وزارني. وإن كان لم يكلمه ولم يحدثه ولم يزره سوى مرة واحدة.
الثاني: أنه لو حلف أنه لا يصحب فلاناً في السفر أو ليصحبنه فإنه يبر ويحنث بصحبته ساعة.
الثالث: أنه لو قال قائل: صحبت فلاناً، فيصح أن يقال: صحبته ساعة أو يوماً أو أكثر من ذلك. ولولا أن الصحبة شاملة لجميع هذه الصور ولم تكن مختصة بحالة منها لما احتيج إلى الاستفهام. اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى في العدة في أصول الفقه 3/ 988: الصحبة في اللغة من صحب غيره قليلاً أو كثيراً، ألا ترى أنه يقال: صحبت فلاناً وصحبته ساعة ولأن ذلك الاسم مشتق من الصحبة وذلك يقع على القليل والكثير كالضارب مشتق من الضرب والمتكلم مشتق من الكلام وذلك يقع على القليل والكثير كذلك هاهنا. اهـ.
وقال أبو محمد بن حزم في كتاب الأحكام 5/ 89: أما الصحابة رضي الله عنهم فهو كل من جالس النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة وسمع منه ولو كلمة فما فوقها أو شاهد منه عليه السلام أمراً بعينه ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر حتى ماتوا على ذلك، ولا مثل من نفاه عليه السلام باستحقاقه كهيت المخنث ومن جرى مجراه. فمن كان كما وصفنا أولاً فهو صاحب وكلهم عدل وإمام فاضل رضي، فرض علينا توقيرهم وتعظيمهم وأن نستغفر لهم ونحبهم. وتمرة يتصدق بها أحدهم أفضل من صدقه أحدنا بما يملك، وجلسة من الواحد منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عبادة أحدنا دهره كله.
وسواء كان من ذكرنا على عهده عليه السلام صغيراً أو بالغاً فقد كان النعمان بن بشير وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم أجمعين من أبناء العشر فأقل إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم وأما الحسين فكان حينئذ ابن ست سنين إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان محمود بن الربيع ابن خمس سنين إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعقل مجةً مجها النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه من ماء بئر دارهم، وكلهم معدودون في خيار الصحابة مقبولون فيما رووا عنه عليه السلام أتم القبول وسواء في ذلك الرجال والنساء والعبيد والأحرار.
ثم قال: وأما من ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أن لقيه ثم راجع الإسلام وحسنت حاله كالأشعث بن قيس وعمرو بن معدي كرب وغيرهما فصحبته له معدودة وهو بلا شك من جملة الصحابة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسلمت على ما سلف لك من خير" وكلهم عدول فاضل من أهل الجنة.
ثم ذكر بعض الأدلة على ذلك ثم قال: وقد قال قوم: إنه لا يكون صاحباً من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة لكن من تكررت صحبته.
قال أبو محمد: وهذا خطأ بيقين لأنه قول بلا برهان، ثم نسأل قائله عن حد التكرار الذي ذكر وعن مدة الزمان الذي اشترط فإن حدَّ في ذلك حداً كان زائداً في التحكم بالباطل وإن لم يحد في ذلك حداً كان قائلاً بما لا علم له به وكفى بهذا ضلالاً. وبرهان بطلانه قوله أيضاً: إن اسم الصحبة في اللغة إنما هو لمن ضمته مع آخر حالة ما فإنه قد صحبه فيها فلما كان من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير منابذ له ولا جاحد لنبوته قد صحبه في ذلك الوقت وجب أن يسمى صاحباً. اهـ.
وقال محمد بن إبراهيم الوزير في العواصم من القواصم (1/ 387): إن الصحبة تطلق كثيراً في الشيئين إذا كان بينهما ملابسة، سواءً كانت كثيرة أو قليلة، حقيقة أو مجازية، وهذه المقدمة تُبين بما ترى من ذلك في كلام الله ورسوله وما أجمع العلماء عليه من العبارات في هذا المعنى.
أما القرآن فقال الله تعالى: ? فقال لصاحبه وهو يحاوره? [الكهف:34] فقضى بالصحبة مع الاختلاف في الإسلام الموجب للعداوة لما جرى بينهما من ملابسة الخطاب للتقدم، وقد أجمعت الأُمة على اعتبار الإسلام في اسم الصحابي فلا يُسمّى من لم يسلم صحابياً إجماعاً، وقد ثبت بالقرآن أن الله سمّى الكافر صاحباً للمسلم فيجب أن يكون اسم الصحابي عرفياً، وإذا كان عرفياً اصطلاحياً كان لكل طائفة أن تصطلح على اسم كما سيأتي تحقيقه.
¥