وأما من حيث المتن فيبعد جداً أن يقول سعيد بن المسيب مثل هذا الكلام لأنه تحكّم لا دليل عليه ولم يشترط أحد فيما أعلم مثل هذا الشرط وهو أن لا يكون الواحد صحابياً حتى يقيم مع الرسول صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين أو يغزو غزوة أو غزوتين. فعلى هذا من كان من القاعدين ممن لا يستطيع الجهاد لا يكون صحابياً، والنساء أيضاً هل يدخلن في هذا الحد أو لا يدخلن؟ إن كن لا يدخلن فالرجال كذلك، لأن الصحبة لا علاقة لها بالقتال حتى يميّز بالرجال عن النساء، وإن كن يدخلن فكفى بهذا إبطالاً لهذا القول.
فتبين بطلان هذا الخبر إسناداً ومتناً وقد رد العراقي هذا الخبر فقال في التقييد والإيضاح ص 257: لا يصح عنه فإن في الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف في الحديث. اهـ.
وأما ما قاله الراغب الأصفهاني في المفردات ص 275 في مادة (صحب) قال: الصاحب الملازم إنساناً كان أو حيوناً أو مكاناً أو زماناً ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر أو بالعناية والمهمّة. ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته. والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع لأجل أن المصاحبة والاصطحاب تقتضي طول لبثه، فكل اصطحاب اجتماع وليس كل اجتماع اصطحاباً.
وإلى هذا ذهب أبو حامد الغزالي في كتابه المستصفى 1/ 165 فقال: فمن الصحابي؟ من عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من لقيه مرة أو من صحبه ساعة أو من طالت صحبته. وما حد طولها؟ قلنا: الاسم لا يطلق إلا على من صحبه ثم يكفي للاسم من حيث الوضع الصحبة ولو ساعة ولكن العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته. اهـ.
فالجواب عن هذا أن الراغب الاصفهاني والغزالي وغيرهما ممن يقول بذلك بيّنوا أن هذا القيد في الصحبة وهو طول الملازمة إنما أُخذ من العرف والعرف لا يرجع إليه إلا بعد أن لا يوجد حد من الشرع أو اللغة، فالحقائق ثلاث: الحقيقة الشرعية ثم اللغوية ثم العرفية، فلا يرجع إلى الحقيقة العرفية إلا بعد أن لا يكون هناك شرعية أو لغوية، وفي هذه المسألة وهي الصحبة بين الشرع واللغة حقيقتها، وحقيقتها كما تقدم تكون بمطلق الصحبة.
ثم أيضاً لا يُسَلّم أن العرف يشترط في الصحبة طول الملازمة، وتقدم أن أكثر أهل العلم يذهبون إلى أن الصحبة تطلق على صحبة الشخص حتى ولو كانت لمدة قصيرة، والله أعلم.
الحواشي:
(1) وقال ابن حجر في التقريب: صدوق.
(2) وقال أيضاً في مقدمة المجروحين 1/ 94: الجنس السادس: أقوام من المتأخرين يسوقون الأخبار فإذا كان بين الثقتين ضعيف واحتمل أن يكون الثقات رأى أحدهما الآخر أسقطوا الضعيف بينهما حتى يتصل الخبر، فإذا سمع المستمع خبر أسامٍ رواته ثقات اعتمد عليه وتوهم أنه صحيح كبقية بن الوليد قد رأى عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسمع منهم ثم سمع عن أقوام ضعفاء عنهم فيروي الرواة عنه أخباره ويسقطون الضعفاء من بينهم حتى يتصل الخبر في جماعة مثل هؤلاء يكثر عددهم. اهـ.
(3) قال أبو زرعة الدمشقي: كان صفوان بن صالح ومحمد بن المصفى يسويان الحديث. اهـ. من المجروحين لابن حبان 1/ 94.
(4) السير 334 والوليد لم يسمع من الزهري.
(5) أي: اللسان والمحكم.
(6) سيأتي إن شاء الله تعالى ذكر من خالف في ذلك والجواب عنه.
(7) الإصابة لابن حجر 1/ 11 وإرشاد الفحول للشوكاني ص 70 ومذكرة الأصول للشنقيطي ص 124،125.
(8) وينظر الإصابة لابن حجر 1/ 8، ومقدمة ابن الصلاح ص 146.
(9) رواه ابن أبي يعلى في الطبقات 1/ 243 بإسناده عن أحمد، والخطيب في الكفاية ص 51. وجاء عن الإمام مالك أنه قال مثل ذلك كما في مجموع الفتاوي 20/ 298.
(10) وممن ذهب إلى هذا القول بعض المعتزلة كأبي الحسين البصري وغيرهم من أهل البدع، وسيأتي إن شاء الله تعالى الرد عليهم.
(11) المقصود بذلك: علي بن محمد بن أبي القاسم الذي أنكر على أهل الحديث ذهابهم إلى هذا القول.
(12) أخرجه أحمد في الفضائل 15، 20 وابن ماجة 162، وابن أبي عاصم في السنة 1040 كلهم من طريق الثوري عن نسير بن ذعلوق قال: سمعت ابن عمر، وإسناده صحيح.
(13) كما في تهذيب الكمال 1/ 295.
(14) انظر: الفتح 8/ 173.
(15) يمكن الجمع بين خبر سليمان التميمي وخبر السيلاني لكن يذهب إلى هذا لو كان خبر السيلاني ثابتاً ثبوتاً واضحاً. والله أعلم.
¥