فلا يظهر من كلام الحفاظ الأوائل الاختلاف في التفصيل في قبول زيادة الثقة أحيانا وردها أحيانا وإنما نشأ الخلاف فيما بعد من كلام الأصوليين، وكلام أهل الحديث وطريقتهم العملية في اتعليل تدل على التفصيل، والأمر كما قال العلائي: (وأما أئمة الحديث فالمتقدمون منهم كيحيى بن سعيد القطان وعبدالرحمن بن مهدي،ومن بعدهما كعلي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهذه الطبقة، وكذلك من بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين ومسلم والنسائي والترمذي وأمثالهم،ثم الدارقطني والخليلي،كل هؤلاء يقتضي تصرفهم في الزيادة قبولاً ورداً الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث،ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث،وهذا هو الحق الصواب) انتهى.
فخلاف الأصوليين لأهل الحديث غير معتبر لأن أهل الحديث يقدمون في فنهم وعلمهم على غيرهم من الأصوليين الذين تأثروا بعلم الكلام وما شابهه.
وأما قولك حفظك الله (وانما السؤال عن تفرد هذا الثقة العدل فيما لم يرويه غيره وقد حُكم على زيادته بالشذوذ!)
فالأصل قبول خبر الثقة إلا إذا كانت هناك قرينة تدل على وهمه أو خطأه أو التوقف في قبول خبره، كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فهذا يدل على قبول خبر الثقة وتصديقه فيما نقل، وقد تحتف قرينة معينة كالتفرد أو المخالفة فيما يرويه الثقة فيتوقف الحفاظ في قبول حديثه الذي تفرد به، ولعلي أسوق كلام الإمام الشافعي رحمه الله في شروطه لقبول خبر من يتفرد بحديث
الرسالة للإمام الشافعي ص:369 - 372
’’ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا
1. منها أن يكون من حدث به ثقة في دينه،
2. معروفا بالصدق في حديثه،
3. عاقلا لما يحدث به،
4. عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، أو أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه، ولا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه، لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أدى بحروفه لم يبق وجه يخاف فيه إحالة الحديث.
5. حافظا إن حدث من حفظه
6. حافظا لكتابه إن حدث من كتابه
7. إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم
8. بريا من أن يكون مدلسا يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يحدث الثقات خلافه،
9. ويكون هكذا من فوقه ممن حدث حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى من انتهى به إليه دونه، لأن كل واحد مثبت لمن حدثه ومثبت على من حدث عنه. اهـ.
قال الحافظ ابن رجب في شرح العلل في بيانه لكلام الإمام الشافعي السابق
’’ الخامس: أن يكون في حديثه الذي لا ينفرد به يوافق الثقات في حديثهم ولا يحدث بما لا يوافق الثقات، وهذا الذي ذكره معنى قول كثير من أئمة الحفاظ في الجرح في كثير من الرواة يحدث بما يخالف الثقات، أو يحدث بما لا يتابعه الثقات عليه، لكن الشافعي اعتبر أن لا يخالفه الثقات، ولهذا قال بعد هذا الكلام: (بريا أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يحدث الثقات خلافه) انتهى.
وأما التفرد فقد قال فيه الإمام الشافعي: ’’ فعليك من الحديث بما تعرفه العامة، وإياك والشاذ منه‘‘، وعلى هذا القول فما لا تعرفه عامة الحفاظ من الحديث يعده الشافعي شاذا مردودا، سواء تفرد الراوي به أم خالفهم فيه، ويبدو لي أن هذا القول لا يتناقض مع قوله السابق حول المقصود بالشاذ، فإنه لم يذكر ذلك كتعريف عام لمصطلح الشاذ، وليس ذلك من شأنه ولا من شأن علماء تلك العصور، وإنما ذلك في مناسبة علمية لها صلة بدفاعه عن موقف أهل السنة والجماعة، وإنكاره على أهل البدع الذين اشترطوا تعدد الرواة ليحتج بالحديث.
مستفاد من كتاب الخبر المعلول ص 184 - 185
فحديث قتيبة وخطأه في حديث معين قد بين العلماء سبب خطأه فيه ومع ذلك قبلوا حديثه الآخر، فالسبب في ردهم لحديثه في الجمع بين الصلاتين هو قرينة معينة دلت على ذلك وليس هذا موضع التفصيل في علة هذا الحديث وإنما القصد بيان أن الثقة ليس بمعصوم من الخطأ والوهم فيجوز عليه الوهم والخطأ ولكن ذلك قليل يعرفه الحفاظ، ولذلك العلماء عندما وثقوا قتيبة لم يوثقوه إلا بعد أن عرفوا حديثه.
فالأئمة الحفاظ إذا حكموا على راو بأنه ثقة فهذا يكون بعد تبينهم لحديثه ودراسته، ولذلك قد يوثقونه ويستثنون من ذلك روايته عن شيخ معين أو بلد معين ونحو ذلك.
فقتيبة بن سعيد إمام حافظ وثقه العلماء بعد أن درسوا حديثه وعرفوه، فلو كان كثير الخطأ لضعفوه ووصفوه بسوء الحفظ كما فعلوا ذلك في رواة أخر.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[01 - 02 - 05, 02:08 م]ـ
شيخنا الحبيب
جزاكم الله خيرا
تنبيه
في قول الشيخ حمزة -وفقه الله في ((وأما التفرد فقد قال فيه الإمام الشافعي: ’’ فعليك من الحديث بما تعرفه العامة، وإياك والشاذ منه)
انتهى
نسبة هذا القول إلى الإمام الشافعي خطأ
فهذا كلام القاضي يعقوب صاحب أبي حنيفة في رده على أبي عمرو
وله (أي للقاضي يعقوب) عبارة أخرى
(فَإِيَّاكَ وَشَاذَّ الْحَدِيثِ وَعَلَيْك بِمَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا يَعْرِفُهُ الْفُقَهَاءُ وَمَا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ......... )
الخ
وانظر رد الإمام الشافعي - رحمه الله
في كتاب سير الأوزاعي
والله أعلم
¥