يقول الإمام ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله:" غير أنك تقنت بعد الركوع , وإن شئت قبل الركوع بعد تمام القراءة " المراد بالقنوت الدعاء بخاصة في صلاة الصبح في محل مخصوص , وهو فضيلة في المشهور من المذهب , ومن تركه لا سجود قبلي عليه , بل قال بعضهم إن سجد له قبل السلام بطلت صلاته , قال في المدونة:" فمن نسي القنوت في صلاة الصبح لا سهو عليه " , وقد نص الباجي في كتابه (إحكام الفصول , في أحكام الأصول) , على أن مذهب مالك أن هذا القنوت يفعل ويترك , ولعل مرد ذلك إلى قول مالك فيما رواه ابن وهب عنه " القنوت في صلاة الصبح ليس بسنة " يعني بنفي السنة عنه أنه لا يداوم عليه , لا أنه لا يشرع , وهذا كما قال في حديث الصلاة قبل المغرب:" خشية أن يتخذها الناس سنة " , لكن روى علي بن زياد عن مالك أن من تركه عمداً يعيد الصلاة , ذكره القرطبي في تفسير سورة آل عمران في الآية 128 وأخذ منه القرطبي أنه يقول بسنيته , لأن مذهب علي بن زياد بطلان الصلاة بعدم السجود للسنن , ويظهر أن هذا ليس كلام مالك ,بل قول علي بن زياد كما في شرح الشيخ زروق
أما موضع القنوت , فهو في الركعة الثانية بعد تمام القراءة على المشهور , وقالوا إن الحكمة في ذلك تطويل الركعة حتى يدركها من تأخر , وقيل بعد الرفع من الركوع , وهذا هو الذي رجحه المصنف (ابن أبي زيد القيرواني).
وبقطع النظر عن خصوص القنوت الذي قال به المالكية والشافعية , فقد ورد الحديث بالقنوت قبل الركوع وبعده , والأخير هو الغالب , فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع " , ورويا عن ابن سيرين قلت لأنس:" قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح "؟ , قال نعم , بعد الركوع يسيراً " , وفي الصحيحين عن عاصم الأحول قال:" سألت أنساً عن القنوت أكان قبل الركوع أم بعده " , قال:" قبله " , قلت:" فإن فلاناً أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع " , قال:" كذب , إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهراً " , ومعنى قوله " كذب " , أخطأ , وهي لغة الحجازيين , وفي المدونة قال مالك في القنوت في الصبح: كل ذلك واسع , قبل الركوع وبعد الركوع. . . والذي آخذ به في خاصة نفسي قبل الركوع ".
لكن هذه النصوص أو بعضها إنما يصلح للاستدلال على موضع القنوت الذي دلت الأدلة الصحيحة على مشروعيته , وهو قنوت النوازل في جميع الصلوات ,فالاستدلال بها على القنوت الذي قال به المالكية والشافعية في صلاة الصبح مع عدم القول بقنوت النوازل ليس كما ينبغي , وهو الذي فعله الحافظ الغماري في مسالك الدلالة.
ويمكن القول بعدم وجود حديث صحيح صريح في هذا القنوت , ومع ذلك فهو خلافية كبرى لما في النصوص من الاحتمال , مع كثرة من كان على هذا الأمر من السلف حسب نقلة الأخبار منهم الخلفاء الأربعة , وغيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الأمصار , مع تعارض النقل عن كثير منهم نفياً وإثباتاً , ويبدو أن النفي عن بعضهم هو هذا القنوت , وأن المثبت غيره , وقد سمى الحازمي في الاعتبار منهم نحوو الأربعين , وقال قبل ذلك:" اتفق أهل العلم على ترك القنوت من غير سبب في أربع صلوات , وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء , واختلف الناس في القنوت في صلاة الصبح ... ".
ومن أشف ما استدل به المثبتون لهذا القنوت ما رواه الدارقطني بسند صحيح عن أنس قال:" ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا " , وهذا ليس صريحاً فيما نحن بصدده , فإن للقنوت معان منها الطاعه , والسكوت , والخشوع , وطول القيام , وغيرها , ويظهر أن معنى الحديث المتقدم طول القيام , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أفضل الصلاة طول القيام " , رواه مسلم 756 عن جابر ,,, وروى مسلم وأبو داود 1441 والترمذي 401 وقال حسن صحيح عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب " , وهذا كما ترى لا حجة فيه, لأن القائلين بالقنوت في الصبح لا يرونه في المغرب , وقد تقدم نقل الحازمي الاتفاق على عدم القنوت في الصلوات الأربع لغير سبب , فماقالوه في ترك القنوت في المغرب يقال لهم في ترك القنوت في الصبح , والظاهر أن المراد في حديث البراء هذا هو قنوت النوازل وذكر البراء لصلاتي
¥