من باب الإباحة والتفويض ومن معنى الأغوار والتحريض لأنه قد أخبر عز و جل أن فعله ذلك غير ضائر لمن تولاه من عباده وأحب هدايته وأنه لا سلطان له عليهم وكفى بربك وكيلا "
قلت: كلام أبو بكر بن داود ككلام بعض من نقلت عنهم في هذا القول فيه بعض الإشكال, فإن في قوله: " وإنما معناه اشترطي لهم الولاء فإن اشتراطهم إياه بعد علمهم بأن اشتراطه لا يجوز غير ضائر لك ولا نافع لهم " تصريح منه بأن الحديث على ظاهره وأن اشتراط الولاء لهم واقع ولكنه لا ينفعهم ولا يضرها, ولكن المتأمل في طريقته في آخر كلامه يجد أنه يؤول الحديث بأنه خرج مخرج الوعيد والتهاون بمن خالف الأمر, ويتبين ذلك من الآيات التي ذكرها ومن قوله: " وإنما كان هذا القول منه تهددا لمن رغب عن حكمه وخالف عن أمره وأقدم على فعل ما قد نهى عن فعله وتهاونا بالشرط إذ كان غير نافع لمشترطه ". وإليك كلام القاضي عياض وفهمه لكلام أبي بكر بن داود:
قال القاضي عياض في مشارق الأنوار: " وقيل بل على طريق التوبيخ والتقريع وإن ذلك لا ينفعهم إذ قد بين النبي {صلى الله عليه وسلم} حكمه لهم قبل فكأنه قال لها اشتري لهم أولا فذلك لا ينفعهم وهو اختيار أبي بكر بن داوود الأصبهاني قال وليس المراد أنه أمرها بذلك ثم يبطل الشرط ولكنه كقوله تعالى) قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون (استخفافا وتعجيزا إن دعوتموهم أولا لم ينفعوكم ويعضد هذا رواية البخاري من حديث أيمن عن عائشة وفيه ودعيهم يشترطون ما شاءوا واشترتها وأعتقتها واشترط أهلها الولاء فقال {صلى الله عليه وسلم} إنما الولاء لمن أعتق .. "
قال ابن عبد البر في الاستذكار:
" ويجوز ان يكون معناه الوعيد والتهاون لمن خالف ما امر به كقوله تعالى (واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد) الاية الاسراء 64
ثم قال تعالى (ان عبادي ليس لك عليهم سلطان) الاسراء 65 بيانا بفعل من فعل ما نهى عنه وتحذيرا من موافقة ذلك ".
قال النووي في شرحه على مسلم: " وقيل: المراد الزجر والتوبيخ لهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان بين لهم حكم الولاء، وأن هذا الشرط لا يحل فلما ألحوا في اشتراطه ومخالفة الأمر، قال لعائشة هذا بمعنى لا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط باطل مردود لأنه قد سبق بيان ذلك لهم، فعلى هذا لا تكون لفظة (اشترطي) هنا للإباحة ".
" وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل، واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة، فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم العلم ببطلانه أطلق الأمر مريدا به التهديد على مآل الحال كقوله: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله) وكقول موسى: (ألقوا ما أنتم ملقون) أي فليس ذلك بنافعكم، وكأنه يقول: اشترطي لهم فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم، ويؤيده قوله حين خطبهم " ما بال رجال يشترطون شروطا إلخ " فوبخهم بهذا القول مشيرا إلى أنه قد تقدم منه بيان حكم الله بإبطاله، إذ لو لم يتقدم بيان ذلك لبدأ ببيان الحكم في الخطبة لا بتوبيخ الفاعل، لأنه كان يكون باقيا على البراءة الأصلية
وقال العيني في عمدة القاري: " وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنهم لما ألحوا في اشتراطه ومخالفة الأمر قال لعائشة هذا بمعنى لا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط باطل مردود "
قال السيوطي في شرح سنن ابن ماجة: " وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنه صلى الله عليه و سلم كان بين لهم حكم الولاء وان هذا الشرط لا يحل فلما لجوا في اشتراطه ومخالفة الأمر قال لعائشة هذا يعني لا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط باطل مردود فعلى هذا لا يكون لفظة اشترطي أو افعلي للإباحة "
قال الصنعاني في سبل السلام: " وقيل أراد بذلك الزجر والتوبيخ لهم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان قد بين لهم حكم الولاء، وأن هذا الشرط لا يحل فلما ظهرت منهم المخالفة قال لعائشة ذلك.
ومعناه لا تبالي لأن اشتراطهم مخالف للحق فلا يكون ذلك للإباحة بل المقصود الإهانة وعدم المبالاة بالاشتراط وأن وجوده كعدمه ".
قال أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار:
¥