- و كذا القول بأن ذلك الحديث هو في الإمامة العظمى أو الكبرى وحدها: فغير صحيح أيضا؛ لأنه قيل في ملك الفرس المجوس وقتذاك، و لم تكن عندهم إمامة أصلا، لا كبرى و لا صغرى.
و هذا يدحض الادعاء بجواز ولاية المرأة الحكم في بلادنا الآن؛ بدعوى تخصيص النهي بالإمامة الكبرى، و يدحضه عموم الحديث أولا؛ الذي لم يقم دليل على تخصيصه بتلك الإمامة، كما لم يقم دليل على تقييد ذلك النهي بها وحدها.
و لا يصح و لا يجوز التخصيص و لا التقييد للنصوص الشرعية بغير دليل مساو لها في المرتبة.
و الحديث عام في كل أنواع الولايات العامة؛ لمجيئه بلفظ من ألفاظ العموم، و هو هنا: النكرة في سياق النفي و النهي؛ على ما هو مقرر في علم الأصول.
فكأنه قال: لن يفلح كل قوم ولوا أمرهم امرأة. و يدخل في ذلك الحكم و القضاء؛ فالقوم الذين يولون أمرهم في الحكم إلى امرأة داخلون في معنى الحديث، و كذا القوم الذين يولون أمرهم في القضاء إلى امرأة داخلون في معنى الحديث أيضا؛ لأن دلالة العموم من دلالات الألفاظ الشرعية.
و قد صرح الإمام البيهقي بأن الوالي لا يولي امرأة أمر القضاء؛ إذ ترجم لذلك الحديث بـ (باب لا يولي الوالي امرأة ولا فاسقا ولا جاهلا أمر القضاء)، وأورد حديث الباب؛ قال:
(أخبرنا) أبو الحسن على بن احمد بن عبدأن أنبأ احمد بن عبيد الصفار ثنا اسحاق بن الحسن الحربى وهشام بن على فرقهما قالا ثنا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن الحسن عن أبى بكرة رضى الله عنه قال: قد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما كدت ان الحق باصحاب الجمل فاقاتل معهم: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اهل فارس ملكوا عليهم ابنة كسرى، فقال: " لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة " - لفظ حديث الحربى وفي رواية هشام: " ملكوا امرهم امرأة " - رواه البخاري في الصحيح عن عثمان بن الهيثم.
و قد عد البيهقي وقوع تولية المرأة أمر القضاء من علامات الساعة - و كذا المذكورين في الترجمة؛ بجامع عدم الأهلية الشرعية لتولي القضاء - فروى عقب ذلك: الحديث:
- (أخبرنا) على بن احمد بن عبدان أنبأ احمد بن عبيد ثنا احمد بن على الخزاز ثنا سريج بن النعمان ثنا فليح بن سليمان عن هلال بن على عن عطاء بن يسار عن ابى هريرة رضى الله عنه قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في مجلسه يحدث القوم حديث جاءه اعرابي فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعض لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: " اين السائل عن الساعة"؟ قال: هذا انا يا رسول الله. قال: " إذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة ". قالوا: يا رسول الله ما إضاعتها؟ قال: " إذا اسند الامر إلى غير اهله فانتظر الساعة " - رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن سنان عن فليح. أهـ[السنن الكبرى للبيهقي]
و ذلك الحديث: " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امراة ": عام على سبيل العموم، و لم يرد تخصيصه بمخصص؛ فيظل على عمومه حتى يقوم الدليل المغير. و لا دليل هنا. و المماري عليه الدليل.
و الحديث يفيد النهي عن ولاية المرأة القضاء؛ بدلالة عدم الفلاح لمن يفعلونه.
* * *
حجج المجيزين لولاية النساء القضاء، و دحضها
و قد احتج المجيزون لتولية المرأة القضاء بأمرين:
الأول: تولية عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – امرأة اسمها الشفاء الحسبة في السوق. و هذا لم يصح، و أنكره بنوها، و سيأتي بيانه.
و الثاني: ما نسب إلى الإمام أبي حنيفة من أن المرأة تقضي فيما تشهد فيه. و هذا النقل فيه اختلاف في ألفاظه؛ مما يوهن من ضبط نقله، ولا يصمد أمام الأدلة الشرعية المذكور ة آنفا؛ فضلا عن أن يكون دليلا شرعيا أصلا.
- و هذا على افتراض صحة عزوه إلى أبي حنيفة، و كذا الحال فيما نسب إلى الإمام الطبري و غيره، و هو ما نفاه الإمامان أبو بكر بن العربي و أبو عبد الله القرطبي.
و بيان ذلك:
* قال القاضي ابن العربي في كتابه " أحكام القرآن ":
(المسألة الثالثة: روي في الصحيح {عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن كسرى لما مات ولى قومه بنته: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة}.
¥