وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة، ولا خلاف فيه.
ونقل عن محمد بن جرير الطبري إمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية؛ ولم يصح ذلك عنه؛ ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها تقضي فيما تشهد فيه، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة على الحكم، إلا في الدماء والنكاح، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: {لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة}.
وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير.
وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق، ولم يصح؛ فلا تلتفتوا إليه؛ فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث). أهـ[أحكام القرآن لابن العربي]
و كذا ذكره بتمامه القرطبي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن "؛ حكاية عن ابن العربي، و أقره و لم ينكره.
و مما يدل على عدم صحة ما نسب إلى أبي حنيفة: أن المراة - عنده كما عند غيره - لا يجوز ان تنفرد و تستقل - مع أخرى - بالشهادة في الأموال؛ بل لا بد من وجود رجل، و أن الشهادة دون الولاية باتفاق.
و ما نسب إلى الطبري فغير صحيح أيضا كما صرّحا، و لم أقف على شيئ مما نسب إليه في مظان محالّه في تفسيره لآيات الحكم و الشهادات و الأقضية.
و حسبك بهذين الإمامين الكبيرين - ابن العربي و القرطبي - في نفي صحة ما نسب إلى الإمامين الجليلين: أبي حنيفة و الطبري من أقوال في قضاء المرأة.
* و الاحتجاج بخبر ولاية صحابية حسبة السوق ليس حجة في جواز ولاية المرأة القضاء؛ فضلا عن عدم صحته أصلا؛ حيث أنكره أولادها.
و هذا الخبر ذكره ابن عبد البر و ابن حجر بصيغة التقليل؛ فقالا في ترجمة الصحابية الشفاء: (فربما ولاها شيئا من أمر السوق). يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
و هذا لفظ ترجمة ابن عبد البر لها في كتابه " الإستيعاب في معرفة الأصحاب "؛ قال:
الشفاء أم سليمان بن أبي حثمة
هي الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس ابن خلف بن صداد - وقيل ضرار - بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، القرشية العدوية، من المبايعات. قال أحمد بن صالح المصري: اسمها ليلى وغلب عليها الشفاء. أمها فاطمة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم، أسلمت الشفاء قبل الهجرة فهي من المهاجرات الأول، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وأقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم داراً عند الحكاكين فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق). أهـ
فخبر ولايتها شيئا من أمر السوق روي بصيغة التقليل، و لم يصرح فيه بالحسبة، و هو ما أنكره أولادها؛ قال الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق ":
(وكانت الشفاء بنت عبد الله أم سليمان بن أبي حثمة من المبايعات، ولها دار بالمدينة بالحكاكين، ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق، وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه). و أولادها أعلم بها من غيرهم.
و إنما الذي استعمله عمر رضي الله عنه على السوق هو ابنها سليمان؛ ففي " تاريخ دمشق " لابن عساكر قال: (نا أبو بكر بن أبي خيثمة أنا مصعب بن عبد الله قال: سليمان بن أبي حثمة بن حذيفة من صالحي المسلمين، استعمله عمر بن الخطاب على سوق المدينة). أهـ
ولعل اللبس وقع بينهما.
* * *
و من هذا و ما قبله: يتبين أنه لا حجة للمجيزين ولاية النساء القضاء فيما احتجوا به؛ فالنهي ثابت بدلالة الأولى للنص القرآني في شأن النساء: {و هو في الخصام غير مبين}، و بدلالة عموم الحديث الصحيح: " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "، و لم يصح و لم يقم دليل على تخصيص القضاء من عموم هذا النهي عن تولية المرأة الولايات العامة، و لم يثبت استعمال المرأة في القضاء و نحوه في عصر الصحابة، كما لم يصح القول المنسوب لبعض الأئمة بتجويزه.
* و عليه: فتولية المرأة أمر القضاء - و تقلدها منصبه - مخالف لأدلة الشرع.
هذا و الله تعالى أعلم.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
كتبه
د. أبو بكر بن عبد الستار آل خليل
* * * * * * * * *
و البحث على هيئة ملف " وورد " موجود بمكتبة مشكاة على هذا الرابط:
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=32&book=2977
ـ[شتا العربي]ــــــــ[01 - 06 - 07, 10:48 م]ـ
جزاكم الله خير الجزاء
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[02 - 06 - 07, 01:01 ص]ـ
شكر الله لكم طيب كلامكم
و قد تعلق بما لم يصح نسبته إلى الإمام أبي حنيفة - من تجويزه ولاية النساء القضاء في غير الدماء و الحدود - كل من يراضي الغرب المعادي للإسلام و شريعته.
و قد نشرت صحيفة " الأهرام " – 1 يونيو 2007 م / 15 من جمادى الاولى 1428 هـ - خبرا جاء فيه:
" الأزهر يجيز للمرأة تولي القضاء في الأموال والأحوال الشخصية ويرفض في الجنايات والقصاص والحدود ":
((أجاز مجمع البحوث الإسلامية ـ من حيث المبدأ ـ أن تتولي المرأة منصبا قضائيا في المجالات التي لا صلة لها بالجنايات , والقصاص , والحدود , وبحيث يسمح لها فقط بإصدار الأحكام تجاه ماعدا ذلك من قضايا الأموال , والأحوال الشخصية.
تأسس رأي المجمع بعد مناقشات فقهية متعمقة بين أعضائه , شهدتها جلسة أمس برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر ـ والتي تابعتها مندوبة الأهرام علا مصطفي عامر ـ علي الاستثناء الذي ذهب إليه اجتهاد فريق من الفقهاء الأحناف , الذي جاء متعارضا مع رأي جمهور الفقهاء من المالكية , والحنابلة , والشافعية , الرافضين تماما لفكرة أن تصبح المرأة قاضية في أي مجال من المجالات , أو أي نوع من القضايا. وأكد المجمع أنه لا مانع شرعا من الأخذ برأي الأحناف.
ومن المقرر أن يستكمل المجمع غدا في جلسة طارئة , يحضرها كامل أعضائه من العلماء والأساتذة , تقريره التفصيلي حول شرعية تولي المرأة منصب القاضية , من خلال بيان موسع يصدره لجميع الجهات المعنية , وعلي رأسها هيئة قضايا الدولة)). أهـ
¥