و الحديث أخرجه ابن خزيمة (831) عن محمد بن الوليد نا عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي نا هشام (بن حسان) عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر.
و هذا اللفظ شاذ أو منكر، فقد تفرد به (محمد بن الوليد) و هو و إن وثقه النسائي و ابن حبان إلا أن أبا حاتم قال فيه: " صدوق ".
و قد قال ابن أبي حاتم: من قيل فيه ذلك هو ممن يكتب حديثه و ينظر فيه، و هي المنزلة الثانية. قال ابن الصلاح: وهو كما قال، لأن هذه العبارة لا تشعر بالضبط، فيعتبر حديثه بموافقة الضابطين، على ما تقدم في أوائل هذا النوع. اهـ من " تدريب الراوي " (1/ 343)
و قد يكون مصدر ذلك اللفظ الشاذ (هشام بن حسان)، فهو و إن كان ثقة إلا أنه تكلموا في حفظه فيما عدا روايته عن ابن سيرين. راجع في هذا " هدي الساري " (ص 448) و " تهذيب التهذيب " (11/ 33) لابن حجر، و " التعديل و الجرح " (3/ 1169) للباجي، و فيه قول أبي حاتم:
" صدوق يكتب حديثه، يتثبت في رفع الأحاديث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ". اهـ و في " ضعفاء العقيلي " (4/ 334) مزيد بيان.
قلت: حديث أبي ذر رضي الله عنه مداره على (حميد بن هلال)، و قد رواه عنه جماعة أعلى كعبًا من هشام،لم يذكر أحد منهم ما ذكره، منهم:
شعبة: عند أحمد (21361، 21467) و أبي داود (702) و ابن ماجة (952) و الدارمي (1414) و الطيالسي (453) و غيرهم.
و يونس بن عبيد: عند أحمد (21380 و 21461) و مسلم (510) و الترمذي (338) و النسائي (750) و غيرهم.
و سليمان بن المغيرة: عند أحمد (21415) و أبو داود (702)
و منصور: عند الترمذي (338) و ابن خزيمة (830)
و أيوب و حبيب بن الشهيد: كلاهما عند ابن خزيمة (830) و ابن حبان (2389)
و قتادة: عند ابن حبان (2383)
و عثمان بن عامر و سالم بن الزناد و سهل بن أسلم: ثلاثتهم عند ابن خزيمة (830)
فهؤلاء و غيرهم، كلهم يروون الحديث بلفظ " يقطع الصلاة "، و لم يقل أحد منهم " تعاد الصلاة ". مما يدل على شذوذ ذلك اللفظ و نكارته. فهل يعقل بعد هذا البيان أن يحكم على صلاة امرء مسلم بالبطلان بمثل تلك الرواية الغريبة؟
هذا، و قال النووي رحمه الله في " شرح مسلم " (4/ 227):
و قال مالك وأبو حنيفة و الشافعي رضي الله عنهم و جمهور العلماء من السلف و الخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء و لا من غيرهم، و تأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء و ليس المراد إبطالها.اهـ
قلت: و يؤيّد هذا التأويل، ما مرّ من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته ". أي بمروره بينه و بينها، كما ورد في رواية مرسلة عند البيهقي في " السنن الكبرى " (3291) و غيره.
و في حديث الخدري رضي الله عنه:
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه و بينها و لا يدع أحدا يمر بين يديه ".
أخرجه أبوداود (698) و ابن حبان في صحيحه (2372 و 2375) و اللفظ له بإسناد حسن. و صححه الشيخ الألباني رحمه في " صحيح الجامع " (641)
و قد أخبر النبيّ صلى الله عليه و سلم أن الشيطان يمر فعلاً بين يدي المصلي كلما أقيمت الصلاة، فقال: " إذا ثوب بالصلاة أدبر الشيطان فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه الحديث." و هو عند الشيخين، و تعرّض له صلى الله عليه و سلم في قبلته أثناء الصلاة، كما هو في الصحيحين.
قال الحافظ في " الفتح " (1/ 589):
و لا يقال قد ذكر في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته لأنا نقول قد بين في رواية مسلم سبب القطع و هو أنه جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهه و أما مجرد المرور فقد حصل ولم تفسد به الصلاة.اهـ
و قال الحافظ العراقي في " طرح التثريب " (3/ 200): بل قد مر نفس الشّيطان بين يَدَيْ النَّبِيّ صلّى اللَّه عليه و سلَّم و هو يصلِّي فلم يقطع صلاته بل خنقه و هو في الصّلاة كما ثبت في الصّحيح فدلّ على أنّ المراد اتّقاء ما يشغل المصلّي. اهـ
قلت: و الدليل على ذلك أني لا أعلم أحدًا من العلماء قال ببطلان صلاة من لم يدنُ من سترته. و الله أعلم
و الوقفة الثالثة:
¥