مع قول الشيخ رحمه الله: و أمّا حديث " لا يقطع الصلاة شيء " فهو حديث ضعيف كما حققته في " تمام المنة " (ص 306) و غيره.اهـ
قلت: بل الحديث ثابت - كما ذكر ابن عبد البر في " الإستذكار " (2/ 278) - و لله الحمد، و قد ورد من وجوه عدة يحصل بمجموعها اليقين بصحته.
منها:
ما أخرجه الدارقطني في " السنن " (3) و البيهقي في " الكبرى " (3320) و الباغندي في " مسند عمر بن عبد العزيز " (8 و 10) بأسانيدهم إلى صخر بن عبد الله بن حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس فمر بين أيديهم حمار فقال عياش بن أبي ربيعة سبحان الله سبحان الله سبحان الله فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من المسبح آنفا سبحان الله قال أنا يا رسول الله إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة قال:
" لا يقطع الصلاة شيء ".
قال الحافظ في الدراية 1/ 178: إسناده حسن
و قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " المحلى ": إسناده صحيح. و هو كما قال، فإن رواته كلهم عدول ثقات.
و منها: ما أخرجه الدارقطني كذلك في " سننه " (7) حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد وآخرون قالوا: حدثنا علي بن حرب ثنا الحسن بن موسى الأشيب حدثنا شعبة ثنا عبيد الله بن عمر عن سالم و نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
" كان يقال: لا يقطع صلاة المسلم شيء ".
و هذا إسناد صحيح - كما قال الشوكاني رحمه الله في " النيل " (3/ 15) - رجاله رجال الشيخين ما عدا " علي بن حرب ":
قال النسائي: صالح
و قال بن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي و سئل أبي عنه فقال: صدوق
و قال الدارقطني: ثقة
و ذكره ابن حبان في " الثقات "
قلت: و قال مسلمة بن قاسم: كان ثقة حدثنا عنه غير واحد.
و قال الخطيب: كان ثقة ثبتا.
و قال ابن السمعاني: كان ثقة صدوقا.اهـ من " تهذيب التهذيب " (7/ 260)
و أما ابن صاعد الإمام الحافظ فلا يسأل عن مثله.
و اعلم أنّ قول الصحابي المعروف: " كان يقال كذا " في حكم المرفوع. كما هو مقرر في " أصول الحديث ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: و مما يؤكد كونه مرفوعا مطلقا، ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: " كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر "، و رواه ابن ماجه من الوجه الذي أخرجه عنه النسائي بلفظ: " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "، فدل على أنها عندهم من صيغ الرفع.اهـ من كتاب " توضيح الأفكار " (1/ 280).
قال ابن عبد البر في " التمهيد " (21/ 168): الآثار المرفوعة في هذا الباب كلها صحاح من جهة النقل.اهـ
و هذا يرد على قول الألباني رحمه الله في " تمام المنة " (ص 306): نعم رويت هذه الجملة من طرق أخرى عن بعض الصحابة و لكنها كلها ضعيفة خلافا لبعض المحدثين المعاصرين.اهـ و كأنه يعني الشيخ شاكر رحمه الله. و هذا يوهم أنه لم يصححها غيره، و ليس الأمر كذلك فقد حسّن بعضها الحافظ الهيثمي في " المجمع " و الحافظ ابن حجر في " الدراية "، و الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد " و " الإستذكار "، و الشوكاني في " النيل " ... و من المعاصرين الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريجه على " المسند ".
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[12 - 05 - 07, 10:01 م]ـ
و من (النية)
• قوله رحمه الله (ص: 85 تعليق: 4) - فيما نقله عن النووي في " الروضة " -: و النية هي القصد، فيحضر المصلي في ذهنه ذات الصلاة و ما يجب التعرض له من صفاتها كالظهرية و الفرضية و غيرها، ثم يقصد هذه العلوم قصدًا مقارنًا لأول التكبير.اهـ
و قد تبنى الشيخ رحمه الله هذا، فقال في (تلخيص صفة الصلاة):
" و لا بد للمصلي من أن ينوي الصلاة التي قام إليها و تعيينها بقلبه كفرض الظهر أو العصر أو سنتهما مثلا و هو شرط أو ركن. و أما التلفظ بها بلسانه فبدعة مخالفة للسنة ولم يقل بها أحد من متبوعي المقلدين من الأئمة.اهـ
قلت: و هذا التفصيل يفتقر إلى الدليل مع ما فيه من حرج و ما في التزامه من فتح باب الوسواس، و لذلك تركه المحققون من الشافعية؛ قال النووي رحمه الله في (المجموع 3/ 278): اختار إمام الحرمين و الغزالي في البسيط و غيره أنه لا يجب التدقيق المذكور في تحقيق مقارنة النية , و أنه تكفي المقارنة العرفية العامية بحيث يعد مستحضرا لصلاته غير غافل عنها , اقتداء بالأولين في تسامحهم في ذلك , و هذا الذي اختاراه هو المختار، و الله أعلم.اهـ
و قول النبيّ صلى الله عليه و سلم: " إنما الأعمال بالنيات " مجمل و ليس يحق تبيينه بالرأي، كما أن قوله " و إنما لكل امرئ ما نوى " يفيد أنه يكون له ما نوى إذا تقدمت النية , فالقول بأنه لا يكون له ما نوى خلاف النص، و قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال:
" ... و لا يزال العبد في صلاة ما انتظر الصلاة " أخرجه البخاري (620)، و في رواية لابن أبي شيبة (4070): " إذا دخل أحدكم المسجد كان في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه " و هذا يفيد أنه بمجرد دخول المسجد تحصل النية، بل رواية البخاري المتقدمة تفيد حصول النية قبل ذلك؛ مع بداية التوجه إلى المسجد. و الله تعالى أعلم.
¥