وقال محمد بن نصر المروزي: المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف ويثبت فيه لأنه كان سيء الحفظ كثير الغلط.اهـ (تهذيب التهذيب 10/ 339)
قلت: لا ينبغي أن يشك أحد في نكارة تلك اللفظة، و راويها مع ما فيه، فقد اضطرب في حديثه فقال مرة: " على صدره "، و في رواية لأبي الشيخ في " الطبقات " (2/ 268)، و عزاها الحافظ للبزار: " عند صدره "، و في رواية للطحاوي في " شرح معاني الآثار " (1241) لم يذكرها أصلاً.
فزيادة في هذا المنتهى من المخالفة لا يمكن قبولها، لاسيما وأن مدار زيادة (مؤمل) على سفيان الثوري، ومذهب سفيان في هذه المسألة وضع اليدين تحت السرة، فلو كانت هذه الزيادة ثابتة من طريقه لما خالفها.
و هذا أمر أقره الشيخ الألباني رحمه الله حيث قال في تعليقه على (صحيح ابن خزيمة 1/ 243): إسناده ضعيف لأن مؤملا وهو ابن اسماعيل سيئ الحفظ لكن الحديث صحيح جاء من طرق أخرى بمعناه، وفي الوضع على الصدر أحاديث تشهد له.اهـ
قلت: تشهد لمن؟ و قد حكمنا على الراوي بالخطإ، فمثل هذه الروايات لا تصلح أن يستشهد بها و لا أن يُستشهد لها، لأنها منكرة مخالفة لرواية الأثبات.
ثم ينبغي أن نبيّن هذه (الأحاديث) التي وردت في الوضع على الصدر، فإنها لا تعدو أن تكون حديثًا واحدًا موصولا، و آخر مرسلاً.
فأما الموصول فحديث هُلب الطائي رضي الله عنه، و مداره على (سماك عن قبيصة بن الهلب)، و فيه علل ثلاث:
قبيصة: قال ابن المديني و النسائي: مجهول.
و سماك بن حرب: اختصر الحافظ ترجمته في (التقريب) فقال: صدوق. و هذا يعني في (المصطلح) أنه غير ضابط، و قد نبّه على ذلك بعض الأئمة؛ قال ابن معين: أسند أحاديث لم يسندها غيره. و ضعفه شعبة و قال: كان يقول في التفسير (عكرمة)، و لو شئت أن أقول له: (ابن عباس) لقاله. وقال النسائي: كان ربما لقن فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن.اهـ من (تهذيب التهذيب 4/ 204)
و العلة الثالثة: تفرد (يحيى) بلفظة " على صدره " و قد اتفق أربعة في روايتهم عن سفيان، و فيهم أئمة حفاظ على خلافه، و هم:
وكيع: عند ابن أبي شيبة في " مصنفه " (3934) و أحمد (22018)، و هو مقدم في الحفظ على يحيى، خاصة فيما يرويه عن سفيان، حتى كان يقال له " راوية سفيان ".
و عبد الرحمن بن مهدي: عند الدارقطني في " السنن " (برقم 7).
و عبد الرزاق: عنده في " مصنفه " (3207) و الطبراني في " الكبير " (421)،
و محمد بن كثير: عند الطبراني في " الكبير " (421)
و مما يؤكد شذوذ تلك اللفظة، رواية غير (سفيان) عن (سماك) بدونها؛ فقد رواها عنه: أبو الأحوص، و أسباط بن نصر، و حفص بن جميع، كل هؤلاء لم يذكروا ما ذكر (يحيى).
ومما يقوي شذوذ تلك الزيادة، أن الأمام أحمد رحمه الله أخرجها في المسند، ومع ذلك نص رحمه الله على كراهة وضع اليدين على الصدر.
قال ابن المفلح في الفروع (1/ 412): ويكره وضعهما على صدره. نص عليه، مع أنه رواه أحمد.اهـ
وقال أبو داود في (مسائله ص 31): سمعته يقول: يكره أن يكون، يعني وضع اليدين عند الصدر.اهـ و كذلك نقل ابن القيم رحمه الله في " بدائع الفوائد " (3/ 73).
و خلاصة القول: فإنه لم يثبت حديث يوجب تعيين المحل الذي يكون الوضع فيه من البدن. و لذلك قال الترمذي في سننه:" و رأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة و رأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة، و كل ذلك واسع عندهم.اهـ أي عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و التابعين و من بعدهم.
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[13 - 05 - 07, 04:56 م]ـ
و من (النظر إلى موضع السجود، و الخشوع)
• قوله رحمه الله (ص: 89): و " كان صلى الله عليه و سلم إذا صلى طأطأ رأسه، و رمى ببصره نحو الأرض "، و " لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها ".اهـ
قلت: أما الحديث الأول فمرسل، و أما الثاني فمنكر؛ فقد جاء في " علل الحديث " لابن أبي حاتم (2/ 119 - 120): وسألتُ أبي عن حديث رواه عمرو بن أبي سلمة التنيسي عن زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن عائشة، قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها " فسمعت أبي يقول: هو حديث منكر.اهـ
و قال الشيخ الأعظمي في تعليقه على (ابن خزيمة) (4/ 332): إسناده منكر؛ أحمد بن عيسى قال عنه ابن عدي: له مناكير. وقال الدارقطني: ليس بقوي، وكذبه ابن طاهر.اهـ
و اعلم أن (النظر إلى موضع السجود) يقابله (النظر إلى القبلة)، و هذا أسند و أصح و أقوى من الأول، و هو مذهب نجم العلماء الإمام مالك، و الإمام الحجة البخاري رحمهما الله. ففي صحيح البخاري , في باب (رفع البصر إلى الإمام في الصلاة):
" عن أبي معمر قال: قلنا لخباب: أكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم. قلنا: بم كنتم تعرفون ذاك؟ قال: بإضطراب لحيته ".
و عن أنس بن مالك قال: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم في رقي المنبر فأشار بيديه قبل قبلة المسجد ثم قال: " لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين في قبلة هذا الجدار فلم أر كاليوم في الخير والشر ".
فقوله صلى الله عليه و سلم:" في قبلة هذا الجدار " نص على أن السنة النظر تجاه القبلة سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو فذّا. و يؤيد ذلك قول الله تعالى: (فولّ وجهك شطر المسجد الحرام)، قال القرطبي رحمه الله (2/ 154): في هذه الآية حجة واضحة لما ذهب إليه مالك ومن وافقه في أن المصلي حكمه أن ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده.اهـ
¥