كامل بن طلحة، و إن قال أحمد:" حديثه مقارب " – أي وسط - فقد قال فيه يحيى:" ليس بشيء". و سواء على قول أحمد أو قول يحيى، فإن مثله لا يحتمل تفرده و لا يحتج به، خاصة إذا خالف.
و حماد بن سلمة تغير حفظه بآخرة، وقال في (الكاشف 1/ 349):" ثقة صدوق يغلط".
و محمد بن عمرو، و هو ابن علقمة الليثي قال في التقريب (1/ 499):" صدوق له أوهام "، و قال يحيى بن معين:" ما زال الناس يتقون حديثه " و طعن في حديثه عن أبي سلمة عن أبي هريرة خاصة؛ قال: " كان محمد بن عمرو يحدث مرة عن أبى سلمة بالشىء من رأيه ثم يحدث به مرة أخرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة ". (الجرح و التعديل 8/ 30)
فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة. و الصحيح من حديث أبي هريرة ما رواه البخاري (762) من طريق المقبري بلفظ:
" و إذا قام من السجدتين قال: الله أكبر ".
و رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (499) من طريق نعيم المجمر بلفظ:
" و إذا قام من الجلوس قال: الله أكبر ".
و رواه مسلم (392) من طريق ابن جريج بلفظ:
" و يكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس ".
تأمل قوله: " بعد الجلوس " أي بعد أن يستقل قائماً، و قد ورد ذلك صريحاً من طريق ابن جريج نفسه؛ أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " (2492) عنه قال: أخبرني عطاء قال:
" صليت خلف أبي هريرة فسمعته يكبر حين يستفتح، و حين يركع، وحين يصوب للسجود، ثم حين يرفع رأسه، ثم حين يصوب رأسه، ثم حين يصوب رأسه ليسجد الثانية، ثم حين يرفع رأسه، ثم حين يستوي قائمًا من ثنتين. قال لي – يعني عطاء -: كذلك التكبير في كل صلاة "
و يؤيده حديث نافع:
" أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يكبر بيديه حين يستفتح وحين يركع وحين يقول: سمع الله لمن حمده وحين يرفع رأسه من الركعة وحين يستوي قائمًا من مثنى ".
أخرجه البخاري في " جزء رفع اليدين " (38) و عبد الرزاق في " مصنفه " (2520).
و حديث علي رضي الله عنه:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنعه إذا قضى قراءته وأراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد وإذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه كذلك ".
أخرجه البخاري في جزء رفع اليدين (9) و ابن خزيمة في صحيحه (584) و أبو داود في السنن (744) و الترمذي (3423)
قلت: و هذه نصوص محكمة، صحيحة صريحة في بيان محل التكبير بعد الجلوس للتشهد الأول، فليس لأحد دفعها أو مخالفتها.
هذا، و تحسن الإشارة إلى مخالفة أخرى وقعت في حديث أبي يعلى، و هي تقديم التكبير أولا قبل السجود، حتى قال الشيخ الألباني رحمه الله في " الصحيحة " (604): و الحديث نص صريح في أن السنة التكبير ثم السجود.اهـ
هكذا قال، و قد تبيّن لك أن الحديث ضعيف و النكارة ظاهرة على متنه و ليس بمثله تثبت السنن، فلا يعوَّل عليه. زيادة على مخالفته للحديث الصحيح الثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه. ففي صحيح البخاري (770) و غيره:
" ثم يقول: الله أكبر حين يهوي ساجداً "، ترجم عليه البخاري رحمه الله (باب يهوي بالتكبير حين يسجد)، و هذا ظاهر.
قال الحافظ في " الفتح " (2/ 291): فيه أن التكبير ذكر الهوي؛ فيبتدئ به من حين يشرع في الهوي بعد الإعتدال إلى حين يتمكن ساجداً.اهـ
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[18 - 05 - 07, 07:35 ص]ـ
• قوله رحمه الله: و " كان يرفع يديه " مع هذا التكبير أحياناً. اهـ
قلت: قد بيّنا فيما مضى بالدليل، أن التكبير إنما يكون بعد استتمام القيام، و الرفع تابع له. و قد ورد في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه:
" ثم يقوم من السجدتين فيصنع مثل ما صنع حين افتتح الصلاة ".
و من المعلوم أنّ الصلاة لا تُستَفتح من قعود.
و أما قوله (أحياناً) فلا دليل عليه. لأنه إما أن يكون هذا الرفع قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، فينبغي فعله في الصلاة كلها في كل حين كما فعل في الركوع و الرفع منه، و إما أن يُتَوقف في ثبوته كما توقف بعض الأئمة فيُترَك العمل به. و لا يقال: إنما قيل (أحياناً) لعدم اتفاق الرواة على ذكره في أحاديث الرفع، لأن تلك الأحاديث غاية ما فيها السكوت و ليس النفي.
تتمة:
روى الأئمة أحمد (4211) و أبو داود (748) و الترمذي (257) و النسائي في المجتبى (1058) و غيرهم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة ".
و هذا الحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في طائفة من العلماء، و نازع في ذلك آخرون. و مهما يكن، فإنه يلزم مَن صححه العمل بمقتضاه؛ و هو الإكتفاء برفع اليدين عند الإحرام أحياناً. خاصة و قد ثبت مثل ذلك عن بعض السلف من الصحابة و التابعين، كما في مصنفي عبد الرزاق و ابن أبي شيبة.
¥