تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

• قوله رحمه الله ص: 181): و قد " سمع صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه و سلم فقال: " عجل هذا ثم دعاه فقال له و لغيره:

" إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه جل و عز والثناء عليه ثم يصلي - و في رواية: ليصل - على النبي صلى الله عليه و سلم ثم يدعو بما شاء ".اهـ

قلت: ليس في هذا الباب حديث صحيح صريح في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم. و حديث فضالة الذي ذكره الشيخ رحمه الله ليس فيه أنه سمع الرجل يدعو في قعود التشهد، بل إن الأمر بالبدء بالحمد يشعر أن ذلك كان في الإستفتاح.

ثم إن الحديث لم يروِهِ غير (حميد بن هانئ)، انفرد به عن عمرو بن مالك. و حميد هذا قال عنه الحافظ في " التقريب " (1/ 182): لا بأس به. اهـ و قال أبو حاتم في " الجرح و التعديل " (3/ 231): صالح.اهـ

و هذا يعني أنه ليس ممن يُحتَجّ بتفرداتهم، بل هو في رتبة مَن يُنظَر في روايته و يُطلًب له الشاهد لتقويتها. و هذا ما حاول أن يفعله البيهقي رحمه الله في " الكبرى " (2677) حيث أردفه بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في التشهد، و في آخره: " ... ثم يبتدأ بالثناء على الله عز وجل والمدحة له بما هو أهله وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل بعد ".

و هذا لا يثبت؛ رواه عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق. ولم يذكر الثناء و الصلاة في آخر التشهد غيرُه. و قد رواه عبد الله بن رجاء عن إسرائيل بدون تلك الزيادة. و رواه جماعة عن أبي إسحاق و لم يذكروا ذلك، و هم: سفيان الثوري، و شعبة، و الأعمش، و عمرو بن قيس، و يونس بن أبي إسحاق، و معمر، و سلمة بن كهيل، و فطر بن خليفة. و قد سبق تخريج هذا الحديث عند مسألة (مشروعية الدعاء في التشهد الأول) فتذكره.

و يشكل عليه كذلك الأمر بالدعاء و ليس بواجب؛ لقوله صلى الله عليه و سلم: " ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه " بعد قوله: " ... و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ". و قد يوّب عليه البخاري (باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد و ليس بواجب)، لكن الحافظ رحمه الله قال في " الفتح " (2/ 321):

و المنفى وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء الذي لا يجب، دعاء مخصوص، و هذا واضح مطابق للحديث و إن كان التخيير مأموراً به. و يحتمل أن يكون المنفى التخيير، و يحمل الأمر الوارد به على الندب، و يحتاج إلى دليل.اهـ

قلت: دليله حديث ابن مسعود رضي الله عنه:

" إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك؛ إن شئت أن تقوم فقم، و إن شئت أن تقعد فاقعد ".

أخرجه أحمد (4006) و أبوداود (970) و الدارمي (1341) و ابن حبان (1961) و غيرهم بإسناد صحيح، و صوب الداقطني وقفه. و تعقبه ابن التركماني في " الجوهر النقي " (2/ 175) فقال:

وبمثل هذا لا تعلل رواية الجماعة الذين جعلوا هذا الكلام متصلا بالحديث، و على تقدير صحة السند الذى روي فيه موقوفا، فرواية مَن وقف لا تعلل بها رواية من رفع؛ لأن الرفع زيادة مقبولة على ما أعرفه من مذاهب أهل الفقه و الأصول، فيحمل على أن ابن مسعود سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فرواه كذلك مرة، و أفتى به مرة أخرى، و هذا أولى من جعله من كلامه، إذ فيه تخطيئة الجماعة الذين وصلوه.اهـ

قلت: حتى على تقدير أنه موقوف، فإنه تفسير للحديث و بيان له، و فهم الراوي أولى من غيره، كما هو مقرر في الأصول.

و يؤيده قول إبراهيم النخعي: " يجزيك التشهد من الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و سلم ".

و عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أليس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع التشهد؟ فقال: لا يزاد على التشهد فيما يعلم من التشهد إلا أن يقول الإنسان بعد التشهد ما شاء.

رواهما عبد الرزاق في " مصنفه "

و في الحديث: " أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من آخر ما يقول بين التشهد و التسليم: اللهم اغفر ما قدمت و ما أخرت و ما أسررت و ما أعلنت و ما أسرفت و ما أنت أعلم به مني، أنت المقدم و أنت المؤخر لا إله إلا أنت ". أخرجه مسلم (771/ 201) و أبو عوانة (2041)

و هذا يفيد عدم وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و الإستعاذة، فيما بين التشهد و التسليم. و الله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير