الثاني: أخرجه الدارقطني كذلك في " سننه " (7): حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد و آخرون قالوا: حدثنا علي بن حرب ثنا الحسن بن موسى الأشيب حدثنا شعبة ثنا عبيد الله بن عمر عن سالم و نافع عن ابن عمر قال:
«كان يقال: لا يقطع صلاة المسلم شيء!».
و هذا إسناد صحيح - كما قال الشوكاني رحمه الله في " النيل " (3/ 15) - رجاله رجال الشيخين ما عدا " علي بن حرب ":
قال النسائي: صالح
و قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وسئل أبي عنه فقال: صدوق
و قال الدارقطني: ثقة
و ذكره ابن حبان في" الثقات "
قلت: و قال مسلمة بن قاسم: كان ثقة حدثنا عنه غير واحد.
و قال الخطيب: كان ثقة ثبتا.
و قال ابن السمعاني: كان ثقة صدوقا.اهـ من " تهذيب التهذيب " (7/ 260)
و أما ابن صاعد الإمام الحافظ فلا يسأل عن مثله.
و اعلم أنّ قول الصحابي المعروف: " كان يقال كذا " هو في حكم المرفوع. كما هو مقرر في " أصول الحديث ". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: و مما يؤكد كونه مرفوعا مطلقا، ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: «كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر». و رواه ابن ماجه من الوجه الذي أخرجه عنه النسائي بلفظ: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فدل على أنها عندهم من صيغ الرفع.اهـ من كتاب " توضيح الأفكار " (1/ 280)، و انظر " توجيه النظر " لطاهر الجزائري (1/ 399)
أخي الفاضل:
لقد أعلَّ الدارقطني حديث ابن عُمر، وذكر أنَّ الصواب فيه أنه موقوف على ابن عُمر، وإليكم كلام الدارقطني:
العلل للدارقطني (13/ 142 - 143/ 3109):
[وسئل عن حديث سالم، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادرأ ما استطعت، ولا يقطع الصلاة شيء.
فقال: يرويه إبراهيم بن يزيد المكي، واختلف عنه:
فرواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن إبراهيم بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وخالفه يحيى بن المتوكل، فرواه عن إبراهيم بن يزيد، عن سالم، عن أبيه، وقال فيه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر.
ويحيى بن المتوكل، وإبراهيم بن يزيد ضعيفان.
وقول عبد الأعلى: عن إبراهيم بن يزيد، عن الزهري أشبه بالصواب.
ووهم إبراهيم بن يزيد في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ مالكاً، وشعيب بن أبي حمزة، وسفيان بن عيينة، رووه عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، من قوله.
ورواه الأوزاعي، عن الزهري، عن عياش، عن ابن عمر موقوفاً.
وهو وهم، وإنما أراد: عن الزهري، عن سالم، أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال: الحمار يقطع الصلاة، وأنكر ذلم ابن عمر عمر، فقال: لا يقطع الصلاة شيء.
والصحيح عن ابن عمر موقوفاً.
وكذلك رواه نافع، عن ابن عمر موقوفاً]. انتهى.
قلتُ: وأنت أخي الفاضل، ذكرت لنا إسناد الدارقطني بداية من "إبراهيم بن يزيد"، وهذا يوهم أن الإسناد إليه صحيح، وبالرجوع إلى السنن نجد أن الدارقطني رواه من طريق يحيى بن المتوكل - وهو ضعيف -، عن إبراهيم بن يزيد.
وأما رواية شعبة، فإما أن تحمل على أنها موقوفة - وهذا هو الراجح -، أو تكون مخالفة لرواية الثقات الذين أوقفوه فتكون شاذة، والله أعلم.
وحتى لا ننسى ما بدأنا فيه المناقشة، أذكركم بالكلام على رواية " ثم ليدع لنفسه بما بدا له"؛ فقد أوردت لكم ما يثبت أن البيهقي رواه من طريق "الوليد بن مزيد"، بل وحكم البيهقي عليها بالصحة، فنرجو تعليقكم على الآتي:
الكلام على رواية ((الوليد بن مزيد)) عند البيهقي:
مما يؤكد أن رواية الوليد بن مزيد محفوظة بالزيادة عند البيهقي ما يأتي:
1 - قال الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" (10/ 362):
[وكتب المزي في الهامش: قوله "ثم ليدع لنفسه ما بدا له" ذكره أبو مسعود وحده.
قلتُ - أي الحافظ ابن حجر -: هو في رواية الوليد بن مزيد، عن الأوزاعي. أخرجه البيهقي من طريقه.
وقال - أي البيهقي -: "الوليد بن مزيد ثقة وزيادته مقبولة"]. انتهى.
2 - وقال الحافظ في "فتح الباري": [وَقَدْ اِسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِالْحَدِيثِ الْمُتَّفَق عَلَيْهِ " ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاء أَعْجَبهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ ".
وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ: ((إِذَا فَرَغَ أَحَدكُمْ مِنْ التَّشَهُّد فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ)) الْحَدِيث. وَفِي آخِره: ((ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ)) هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَصْل الْحَدِيث فِي مُسْلِم، وَهَذِهِ الزِّيَادَة صَحِيحَة لِأَنَّهَا مِنْ الطَّرِيق الَّتِي أَخْرَجَهَا مُسْلِم].
فها هو الحافظ البيهقي قد أثبت الزيادة في رواية "الوليد بن مزيد"، بل وصححها فقال: [الوليد بن مزيد ثقة وزيادته مقبولة].
وصححها أيضاً الحافظ ابن حجر.
وقد صحح الحديث بزيادته - من قبلُ - الإمام ابن المنذر فقال (3/ 242): [وقد ثَبَتَ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع، ثم ليدعو لنفسه ما بدا له))].
¥