تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقوى هذا الفهم أن " الناس – كما يقول الإمام الغزالى – قد أطلقوا العلة باعتبارات مختلفة ولم يشعروا بها، ثم تنازعوا فى تسمية – شئ ما – علة، وأنهم قد استعاروها من ثلاثة مواضع على أوجه مختلفة، الأول: الاستعارة من العلة العقلية، الثانى: الاستعارة من البواعث، الثالث: من علة المريض وما يظهر المرض عنده، كالبرودة فإنها علة المرض مثلا، والمرض يظهر عقيب البرودة وإن كان لا يحصل بمجرد البرودة، بل ربما ينضاف إليها من المزاج الأصلى أمور، كالبياض مثلا، لكن انضاف المرض إلى البرودة الحادثة، وكما ينضاف الهلاك إلى اللطم الذى تحصل التردية به في البئر وان كان مجرد اللطم لا يهلك دون البئر، لكن يحال الحكم علي اللطم لاعلي التردية التى ظهر بها الهلاك " ().

فإذا كانت العلة مأخوذة من معان فلا ينبغى قصرها على معنى دون غيره، ما لم يشهد دليل على هذا القصر، وكما رأينا فإن الشاهد للمباشرة من الشرع الآية والأحاديث المذكورة، وغاية ما تفيده أن المباشرة اتصال البشرة بالبشرة، أو اتصال دون واسطة () لكن الفقهاء عندما نقلوا هذا المعنى إلى " المؤثر " فى الإتلاف لم ينفوا الوسائط جملة، وإنما نفوا الواسطة التى تعتبر علة حقيقية () وإلا فالوسائط موجودة فى أخص صور المباشرة " كالرمى فإنه يتراخى إلى الوسائط المفضية إلى الهلاك من المضى فى الهواء، والوصول إلى المجروح والنفوذ فيه وغير ذلك " () فلوا اعتبرنا هذه الوسائط لم يكن الهلاك الحاصل بالرمى مباشرة، وهذا ما لم يقل به أحد.

وعلى أساس هذا يمكننا القول بأن إيجاد العلة لا ينتفى لوجود بعض الوسائط وإنما ينتفى متى كانت الواسطة ذات تأثير ملحوظ كأن تؤدى إلى سقوط العلة " فيظهر بقاء الحكم مع انتفائها " () أو " انتقاصها" "فيظهر انتفاء الحكم مع وجودها " ().

المطلب الثانى

ضابط المباشرة فى ضوء الأدلة الشرعية وآراء الفقهاء

122 - على ضوء ما سبق يظهر لنا أن هناك اتجاهات ثلاثة فى حد المباشرة:

أولها: وهو أضيقها أن المباشرة تعنى ضرورة الاتصال المادى بين الفاعل ومحل الضرر دون فاصل.

الثانى: وهو أوسع من سابقه ويرى أن المباشرة تعنى حصول الهلاك بالفعل من غير توسط، وبعبارة أخرى أن يكون الفعل قد أثر فى الهلاك وحصله بذاته.

الثالث: أن المباشرة تعنى " إيجاد علة الهلاك "

والاتجاهان الثانى والثالث يتطابقان متى فسرنا العلة بالمعنى العقلى، الذى هو عبارة عما يوجب الحكم لذاته " ولكن إذا حملنا العلة على " ما ظهر تأثيره بإضافة الحكم إليه " فإن الاتجاه الأخير يكون أوسع من سابقه، لأنه يلغى الوسائط إلا ما كان منها مؤثرا فى سقوط العلة، أو انتقاصها.

123 - وإذا كان لنا أن نختار من بين هذه الاتجاهات فإننى أرى أن الاتجاه الأخير، على التفسير الثانى،هو أولى الاتجاهات، وذلك لما يلى:

1 – أن الاتجاه الأول ضيق جدا والأخذ به يؤدى إلى مفارقات غير منطقية فى بعض الصور، فمن زلق فسقط على متاع فأفسده فهو مباشر () ومن ألقى آخر من شاهق فمات فالملقى متسبب لأنه مات من الوقعة لا الإلقاء () والمفارقة واضحة.

2 – وأما الثانى فكما رأينا أنه يغالى فى تقدير الوسائط التى لا يمكن أن يحال عليها الضمان، بينما اعتبرها الشرع من قبيل الآلات،كما أن المغالاة فى اعتبار الوسائط معارضة بإلغائها فى كثير من صور المباشرة، فإذا صح إلغاؤها فى بعض الصور، صح فى البعض الآخر قياسا على الأولى ما لم تكن الواسطة علة حقيقية، وبهذا الاتجاه الواسع يأخذ أهل الظاهر، وبعض الفقهاء – على تفاوت من صورة لأخرى – كما يظهر مما يلى:

124 - المباشرة فى مذهب أهل الظاهر

قدمت أن موجب الضمان عند أهل الظاهر " هو ما سمى به المرء قاتلا أو مفسدا، وليس كذلك إلا بالمباشرة أو الأمر " ومع هذا فإن الظاهرية يتوسعون فى معنى المباشرة توسعا ملحوظاً، فعلى ما سنرى فإن أكثر ما ذكروا مثالا للمباشرة، يتأوله غيرهم على معنى التسبب، ومن ذلك:

ما جاء فى المحلى:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير