تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

، والتواطؤ يحتاج إلى القصد.

والحاصل أن الوضع اللغوى والاستعمال القرآنى لا يمنعان التعبير بالتعدى عن معنى التعمد، وهذا ما سار عليه الفقهاء،الأوائل قبل المحدثين ().

أما الثانى: فقد اشتبه عليه خطاب الوضع بخطاب التكليف ()، فربط بين الإثم والضمان، قال: " والفعل لا يكون محظورا إلا مع القصد، ولأن الفعل الصادر لا عن نية وإرادة لا إثم فيه " ()، وهذه دعوى عريضة، أجمع الفقهاء على إبطالها فى باب الضمان حيث لا مدخل للآثام ولا للقصود فيه ()، ولو أدرك القائل أن الحنفية – وهم من يستدل بفروعهم – قالوا: إن قصد القربة لا ينافى الغرامة إذا أخطأ المحسن الطريق، لما قال ما قال.

الفرع الثانى

التعدى والخطأ

153 - عرفنا فيما مضى أن الخطأ فى مفهوم القانونيين يعنى إخلالا بواجب قانونى مقترنا بإدراك المخل إياه، وأشرنا إلى عنصريه المادى وهو الإخلال، والمعنوى وهو الإدراك وما يقتضيه من تمييز ()، كما رأينا أن نفرا من المحدثين يساوون بين التعدى والخطأ ()، ولذا مالوا إلى لفظة " التعمد " لما فيها من معنى الإرادة.

154 - والواقع أن هذه المرادفة خاطئة، لأن الخطأ فى الوضع اللغوى ضد الصواب، وفى الاستعمال الفقهى: كل ما وقع من فاعله من غير قصد ولا إرادة ()، قال تعالى " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " ()، أى ما كان لمؤمن أن يفوت نفس مؤمن بكسبه إلا أن يكون بغير قصده إلى وصفه ()، قال القرطبى: " ووجوه الخطأ كثيرة لا تحصى، يربطها عدم القصد …. والخطأ اسم من أخطأ خطأ وأخطاء إذا لم يصنع عن تعمد " ()،

وكل هذا يعنى:

1 - أن بين التعمد والخطأ – فى الاصطلاح اللغوى والعرف الشرعى – بون شاسع، فالتعمد إرادة الفعل والنتيجة، والخطأ عدم إرادة أحدهما أو كليهما معا، كالنائم ينقلب على مجاوره فهوخطأ، وإن كان النائم لا فعل له ولا اختيار قصد ().

2 - أن التعدى لا يرادف الخطأ بالمعنى الفقهى المذكور آنفا، لأن التعدى – كما رأينا – قد يقع عن قصد أو عن غير قصد، وبالتالى فهو أعم من الخطأ.

3 - أن الاستعمال القانونى للفظة " خطأ " – بفتح أوله وثانيه – مع تفسيرها بمعنى الإخلال الواعى لا يصح فى كلام العرب، ولا فى الاستعمال القرآنى والأصوب استعمال لفظة " خطأ " – بكسر أوله وسكون الثانى – قال تعالى " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا " ()، قال الأزهرى: يقال خطئ يخطأ خطئا إذا تعمد الخطأ، وأخطأ إذا لم يتعمد، إخطاء وخطأ ()، وقال الإمام ابن العربى: الخاء والطاء والهمزة تتعلق بالقصد وبعدم القصد، تقول خطئت إذا تعمدت، وأخطأت إذا تعمدت وجها وأصبت غيره، وقد يكون الخطأ مع عدم القصد ()، أى مطلقا.

155 - وعلى أساس هذا الاستعمال الأخير هل يصح الترادف بين التعدى والخطأ حتى يمكن القول بأن الفقهاء عبروا عن الخطأ بلفظ التعدى؟ يرى بعض الباحثين ذلك ()، بينما يذهب البعض الأخر إلى رفض هذا الرأى على اعتبار أن التعدى فكرة مادية تؤسس الضمان على أساس الفعل دون اعتبار لشخصية الفاعل أو ظروفه الخاصة، فهى على التحقيق ترادف الركن المادى للخطأ – بمعناه القانونى – من جانب، وتقابل الركن المعنوى من جانب آخر () وهذا الاتجاه الثانى هو الصحيح، لأن مبنى الضمان على جبر الضرر لا المؤاخذة على الخطأ، مما يعنى إهدار الركن المعنوى.

الفرع الثالث

التعدى والتمييز

156 - من شرط الضمان أن يكون المتلف أهلا لإلزامه بالضمان، وهو كذلك متى ثبتت له أهليتا الوجوب والأداء، كما أنه ليس أهلا متى فقد هاتين كالعجماوات، وذلك باتفاق الفقهاء () ولكن إن كان مباشر الضرر أو المتسبب فيه ممن ثبتت له أهلية وجوب ولم تثبت له أهلية أداء كعديم التمييز، فإن القول بتضمينه محل خلاف بين الفقهاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير