تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

160 - إذا كان من رأى بعض الباحثين أن التعدى يرادف الخطأ فى الفكر القانونى، وأن معنى قاعدة الضمان " أن المباشرة ضامن وإن لم يخطئ، والمتسبب لا إلا إذا أخطأ " فإن من رأى البعض الأخر أن النص على التعدى لا يفيد أكثر من أن الفعل غير مشروع – أى غير مأذون فيه – وفى رأيه أن الفعل كذلك دائماً فى حالتى المباشرة والتسبب، ولذا فإنه يرى الاستغناء عن التفرقة بينهما بإلغاء القيد، إذ ما دام الفعل بهذا الوصف فلا يهم بعد إذا كان ارتكاب هذا الفعل راجعا إلى خطأ الفاعل أم لا، فما دام الفعل قد وقع فالمسئولية تترتب عليه حتماً. ()

وقريب من هذا الرأى رأى أخر يرى تقييد الضمان بالمباشرة بما إذا كان المباشر غير مستند فى فعله إلى حق أوإذن شرعى ابتداء. ()

فكلا الرأيين يلتقيان على أن من شرط الفعل أن يكون غير مأذون فيه والظاهر من قاعدة الضمان طلاقة الحكم فى حق المباشر، وتقييده فى حق المتسبب بمخالفة الحد المأذون به.

و وصولاً إلى الحق نبحث هنا قيمة النص على نفى التعدى فى القاعدة وذلك بتحليل الأمثلة الفقهية فى التضمين بالمباشرة لنرى إذا كان من شرطها أن يكون الفعل وقع تعدياً أم ليس من شرطها ذلك.

161 - معنى قولهم " المباشر ضامن وإن لم يتعد "

الظاهر من قول الفقهاء أن المباشر ضامن أى مطلقاً، وإن كان معذورا فى فعله كالمضطر، أو لم يكن له فعل معتبر أو اختيار قصد كالنائم، أو لا فعل له أصلاً كالمصروع إذا خر على متاع فأفسده، أو كان فعله مباحاً فى حق نفسه إلا أنه أضر بالغير، يدل على ذلك الأمثلة الآتية: -

162 - 1 – الضمان مع الاضطرار:

الاضطرار فى اللغة مصدر فعله اضطر. . ومعناه ألجئ إلى ما ليس له منه بد ()، فالمضطر هو المكلف بالشىء، الملجأ إليه، المكره عليه. ()، ومنه الخائف من التلف عند فقد الطعام الحلال، وهى الحالة التى سماها القرآن "مخمصة " ()، بل إن ظاهر خمس من الآيات () الوارد فيهن ذكر الاضطرار يشير إلى هذه الحالة، وثمة معنى آخر فى بيان حكم الاضطرار فى القرآن، هو أن المضطر إليه إذا كان لإحياء النفس بالأكل ونحوه، فاللجوء إليه واجب، يدل عليه أن أربعاً من الآيات المذكورة وردت فى سياق الأمر بالأكل ()، حيث فسر الأمر فيها " بالوجوب " لا " الإباحة " ()، ومن هنا أخذ الفقهاء أن من اضطر إلى أكل المحرم فلم يأكل حتى مات دخل النار – إلا أن يعفو الله تعالى عنه – لأن فى تركه الأكل إلقاء النفس إلى التهلكة، وقد نهى الله عنه فى محكم التنزيل ()

فإن اضطر إلى طعام غيره ولم يكن هذا الغير مضطرا إليه لزم صاحب الطعام بذله إليه، فإن امتنع فله قهره، وإن قتله ()

إذن فالحاصل أن استهلاك طعام الغير حال المخمصة واجب يأثم تاركه، وبذله – إن لم يكن صاحبه مضطراً إليه – واجب عليه يأثم بتركه، ويحق عليه القهر ولو بالقتل. ومع هذا فالمشهور ()، أن الخميص يضمن القيمة للمالك، لأن إذن المالك لم يوجد، وإنما وجد إذن صاحب الشرع، وهو لا يوجب سقوط الضمان، وإنما ينفى الإثم والمؤاخذة بالعقاب () ومن هنا أخذت القاعدة الشهيرة " الاضطرار لا يبطل حق الغير " ()، وهكذا كل مضطر، إلا اضطراًرا تبدو معه المباشرة مغمورة لابتنائها على سبب أقوى كالمكَره مع المكرِه () فالأرجح أن لاضمان على المباشر لأنه آلة أو كالآلة بيد المتسبب ()

فإذا نظرنا فى فعل المضطر فأقل ما تفيده الأدلة أنه مباح، إحياء للنفس فهو بحق، ومأذون فيه ابتداء ومع هذا قالوا بتضمينه لأن " الفعل المباح فى حق الغير سبب للضمان " ()، ومن " أتلف شيئاً لدفع أذاه به ضمنه " ()

163 - الضمان بالأفعال غير الإرادية:

حكى الإمام ابن العربى أن للعلماء فيمن خلق الله فيه فعلا لم يكن له عليه قدرة كالمرتعش والمحموم رأيين:

أولهما: أنه لا يسمى مضطراً ولا ملجأ،

والثانى: يسمى كذلك ().

فعلى الرأى الثانى تلحق الأفعال غير الإرادية بالفعل الاضطرارى والحكم فيه كما رأينا. وأياً كان القول فالظاهر فى الفقه الإسلامى أن من أتلف نفسا أو شيئا بفعل معذور فيه لم يضمن، ومن هذا القبيل:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير