تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أ- النائم: إذا انقلب علي شىء فأتلفه ضمنه () وتحقيقا فإن النائم ليس بفاعل، وما ياتيه من حركة فإنه من قبيل الخطأ المحض، باعتبار عدم القصد إلي الفعل ولا إلي القتل، ولذا لم يوصف فعله بحلال ولا حرام ().

ويبدو النائم بالغ العذر إذا كان فى ابتداء نومه منفرداً فدخل عليه من لا يعلم بوجوده فنام إلى جواره، أو وضع متاعه عنده فتقلب النائم فأتلفه ضمنه لأن " الإتلاف أمر حقيقى لا يتوقف وجوده على العلم " ()، ولا على الإذن " فمن دخل ملك غيره بغير إذنه لا يباح إتلافه " ().

ب- المصروع والمغمى عليه ومن أدركه ضعف لا يقدر معه على حفظ نفسه: إذا سقطوا على شئ وأتلفوه ضمنوا، وكذا إن سقطوا على أحد فمات فالدية على العاقلة () فلم يغتفر فى مباشراتهم ما لحقهم من عذر قهرى، ولا يعقل نسبة التعدى إليهم، ولا وصف أفعالهم بعدم المشروعية، فلم يبق إلا أن يكون الضمان من باب ربط الحكم بسببه.

جـ – ومن باب أولى إذا زلق فوقع على شئ فأتلفه: ضمن،لإمكان نسبته إلى التقصير ().

164 - 3 - الضمان بالفعل المباح فى حق نفسه.

وأمثلته كثيرة جدا، ومن أشهرها فعل النائم، والرمى إلى الكافر، والصيد والمشى فى الطريق، وركوبه الدابة فى الطريق أو الملك، فإن تحصل من فعله تلف ضمنه، لأن المباح مقيد بشرط السلامة ().

وللإمام ابن حزم والمالكية مثال فريد فى هذا المعنى قالوا " وفى الجرة توضع إلى باب،أو إنسان يستند إلى باب، فيفتح الباب فاتح فيفسد المتاع أو يقع الإنسان فيموت، فالظاهر عندنا أنه ضامن للمتاع والدية على عاقلته، والكفارة عليه، لأنه مباشر لإسقاط المتاع، وإسقاط المستند " ().

ولا يتصور أن ينسب إلى فاتح باب بيته تعد أو تقصير، خاصة إذا لم ير المسند، أو المستند.

165 - وبالنظر فيما تقدم يمكن القول بأنه فيما خلا الزالق، والنائم فى غير الملك، أو فى الملك ويعلم أن بجواره متاعا أو نائما، والمنتفع بالمباحات ومن يأتى أفعالا تحتاج إلى شدة التحرز كالرمى مثلا. فيما خلا هذا فإنه لا يتصور نسبة المباشر إلى التعدى بأى وجه كان.

أما من ذكرنا فنسبتهم إلى التعدى متردد فيها ()، فالظاهر من الأقوال أنهم متعدون بالتقصير أو التفريط، ويحتمل أن تكون المباشرة بمجردها هى أساس الضمان وعلته دون اعتبار لكل معنى للتعدى.

يفيد هذا المعني اختلاف أهل العلم فى علة الكفارة فى القتل الخطأ، فقيل: أوجبت تمحيصاً وطهوراً لذنب القاتل، وذنبه ترك الاحتياط والتحفظ حتى هلك على يديه إمرؤ محقون الدم. وقيل أوجبت بدلاً من تعطيل حق الله فى نفس القتيل. . () فمال جماعة إلى الأول ومال آخرون إلى الثانى.

فعلى القول الأول: يكون أساس الضمان فى المباشرة التقصير فى اتخاذ ما ينبغى من الاحتياطات واليقظة حتى لا يضر بالغير.

وعلى القول الثانى: يكون أساس الضمان هو مجرد الإتلاف، لأن المتلف – فى الأحوال المذكورة آنفاً – لم يكتسب إثماً ولا محرماً.

166 - وفى رأيى:

أن القول الثانى أنسب إلى حكم الضمان من القول الأول، لما اتفقوا عليه من ربط الضمان بالتلف () ولما قرروا فى غير موضع أن " مناسبة الضمان للعدوان مجرد اعتبار " ()، وأن " الضمان من باب الأسباب التى لا فرق بين الجائز فيها وغير الجائز " () وأن " الله جعل لكل مصاب حظاً من الجبر " () وأن " قضية القربة لا تنافى الغرامة إذا أخطأ الطريق، فيؤجر ويغرم " ()، وهكذا مما يفيد أن لا نظر إلى عدم مشروعية الفعل، أو التعدى فيه.

والقيمة العملية لهذا الاتجاه أنه من السعة بحيث يشمل كل صور المباشرة ويدرجها تحت أساس واحد، ولا يفرق بين المتماثلات ببناء بعضها على أساس، والبعض الآخر على أساس غيره.

وبناء على ذلك يكون معنى قولهم: المباشر ضامن وإن لم يتعدً أى سواء وقع فعله تعدياً أو لم يتعد فيه، فأساس المباشرة الإضرار بغير حق دون اعتبار للفعل، وذلك لاتصال المباشرة به دون فاصل ولا شبهه، ولقوة جهتها كفت بذاتها وذلك بعكس التسبب، فلبعده عن الفعل ضعفت جهته فاحتاج إلى وصف زائد لتقويته، وذلك هو التعدى. ()

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير