تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويبدو لى أن ما يجعل هذا الحكم شائكاً عند كثير من المحدثين خصوصا أساتذتنا من رجالات القانون أنهم ينظرون إلى حكم المباشرة معزولاً عن بقية متعلقاته من وجوب الدية على العاقلة، أو فى ديوان العطاء، وما أحله الله للغارمين من حق فى الزكاة والمسألة ()، فالضمان ابتناء على الضرر – والحال هذه – ممكن التنفيذ فى يسر وفى غير مشقة، أما مع غياب هذه المتعلقات، فإن الحكم يبدو وكأنه صعب المنال، أو بالغ الجور لا سيما إذا كان الفاعل معذوراً ().

المبحث الرابع

التسبب مفهومه والأهلية اللازمة له

ومعيار التعدى وافتراضه

167 - تمهيد وتقسيم:

لا غلو أن يقال: التسبب شطر الضمان، لتعدد صوره، ولأن الشرط فيه أن يقع تعدياً فقد أثير جدل حول الأهلية اللازمة له، وما دام شرطة التعدى فلا بد من وضع ضابط له، ولأن إثبات التعدى قد يشق فى بعض الصور فالأمر يحتاج إلى بحث مدى جواز افتراضه فى حق المتسبب، لهذا ونظراً لما للتسبب من أثر فى ضمان عثرات الطريق فإننى أعالج هذا المبحث بشئ من التفصيل.

المطلب الأول

مفهوم السبب والتسبب

168 - أولاً: مفهوم السبب:

1 – التسبب فى اللغة: معناه فعل السبب، قال تعالى " وآتيناه من كل شئ سببا " ()، أى من كل شئ علما يتسبب به إلى ما يريد ()، " فاتبع سببا " ()، أى سلك مسلكاً أو طريقاً () وأصل اشتقاق السبب من الطريق أو الحبل، وهو ما يتوصل به إلي الاستعلاء،قال تعالى " فليمدد بسبب إلى السماء " ()، أى بحبل () ثم استعير لفظ السبب لكل شئ يتوصل به إلى أمر من الأمور ().

وحد السبب ما يحصل الشئ عنده لابه، فإن الوصول – مثلا – بالسير، لا بالطريق، لكن لابد من الطريق، ونزح الماء بالاستقاء لا بالحبل،لكن لابد من الحبل.

2 – ويطلق السبب فى العرف الفقهى على أربعة أوجه، يعنينا منها:

أولها: وهو أقربها إلى المستعار منه – ما يطلق فى مقابلة المباشرة، فيقال لحافر البئر مع المردى فيه صاحب سبب، لأن الهلاك بالتردية لا بالبئر، وإن كان لابد من البئر ليحصل الهلاك عنده، فالسبب ما يحصل الهلاك عنده لا به ().

وعلى التحقيق فإن الحد غير مانع، لأنه لا يمنع من دخول الشرط فى التعريف،إذ الشرط هو " عبارة عما يضاف الحكم إليه وجوداً عند وجوده لا وجوبا ()، أو ما قد يطلق عليه السبب المحض: أى المؤثر ()، أو السبب الحقيقى: وهو ما توسط بينه وبين الحكم علة هى فعل فاعل مختار ()، ولهذا فالتعريف صالح لمعنى السبب فى الجملة،لا السبب المعنى فى باب الضمان.

وهذا الأخير هو ما يسمى بالسبب الداعى أو السبب فى معنى العلة ()، ويكون كذلك متى كان مفضيا إلى الحكم وطريقاً إليه من غير تأثير بل لابد للحكم من علة مؤثرة فيه موضوعة له تضاف إلى السبب، كالتردية فإنها علة الوقوع لكنها تضاف إلى الحفر لكونها حادثة به، والحفر سبب، وكسوق الدابة فإنه لم يوضع للتلف ولم يؤثر فيه وإنما هو طريق للوصول إليه، أما التلف فيحصل بالوطء الذى هو العلة، ووطء الدابة مضاف إلى السوق، وهكذا. .

169 - وهذا القدر من معنى السبب متفق عليه بين أهل العلم، وإن اختلفت بعض العبارات فى الدلالة عليه، ومن ذلك إطلاق اسم الشرط عليه باعتباره " لا يؤثر فى الهلاك ولا يحصله، بل يحصل التلف عنده بغيره، ويتوقف تأثير ذلك الغير عليه، كالحفر مع التردى " ()، والواقع أن هذا هو معنى السببية، إذ لا معنى لها إلا الإفضاء إلى الحكم والتأدى إليه من غير تأثير، وهذا هو الحاصل فى الحفر ()، وما يوجد عند بعض الفقهاء من قولهم إن السبب " ما أثر فى التلف فقط بأن ترتب عليه الهلاك بواسطة ولم يحصله بذاته " ()، أو " ما له أثر فى التوليد كما للعلة لكن يشبه الشرط من وجه " ()، فمرجعه إلى أن كلا من العلة والسبب والشرط معان اصطلاحية، وفضلا عما يقع من تشابه بينها فى الدلالة، كأن تكون العلة فى معنى السبب،أو الشرط،أو أن يكون السبب داعيا أى فى معنى العلة، أو أن يكون الشرط فى معنى السبب () فضلاً عن هذا فإنه يتصور قصور العبارة – فى التعريف – عن الدلالة عليها قطعاً ().

وخروجا من الخلاف يمكن أن تحمل هذه الاصطلاحات على أنها من إطلاقات – العلماء – ولا مشاحة فى الاصطلاح () أو أن يوكل الأمر إلى العرف فى بيان صدق المسمى سبباً ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير