تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقط ننوه بأن متعلق التعدى – فى كلام الفقهاء – هو الفعل لا الفاعل، فالفعل منظورا إليه فى ذاته هو الذى يوصف بالتعدى وعدمه ()، فمن وضع حجرا فى الطريق ضمن ما يعثر به، لكن إن وضعه فى طين فيها ليطأ عليه الناس لا يضمن ما تلف به ()، وكذلك إن حفر بئرا لمصلحة نفسه ضمن ما تلف بها؛ وإن حفرها لمصلحة المارة قيل لا يضمن ()، وقد قالوا فيمن أوقف دابة فى طريق واسع إن كان على نحو ما يوقف الناس فلا ضمان ()، وهكذا أمثلة لا تحصى أوردت طرفاً منها فى الارتفاق بالطريق، ومنها يعلم أن مناط التعدى هوالفعل لا الفاعل.

وهذا ما فهمه المرحوم الشيخ الخفيف، فقد قرر فى ضمانه أنه لم ير فى كلام الفقهاء تصريحاً باعتبار التمييز أو عدمه فى التسبب، ولكن الذى يظهر من إطلاقهم عدم الاعتبار نظرا إلى نفس الفعل وكونه محظورا ليعد اعتداء ويلزم محدثه الضمان مميزا كان أم غير مميز ().

تأكيدا لكلام شيخنا نقول إن الشرع قد أثبت الحجر () على الصغير والمجنون ونحوهما فى أموالهم وذممهم لحق أنفسهم تدبيرا وصيانة،فكأنه أبطل أقوالهم حماية لهم، أما أفعالهم فلم يتعرض الشارع لأصلها بالإبطال، ولكن اعتبر جانب العذر فى حكم العقوبة والمأثم الأخروى لارتباطهما بالتكليف مع بقاء وصف الفعل على حاله من حيث الحظر ().

كما أن جمهور الفقهاء على أن عمد الصبى والمجنون خطأ أى يأخذ حكمه ()

وحكم الخطأ فى الشرع أنه مؤاخذ عليه فى الدنيا والآخرة باعتبار الأصل،لكن تفضل الله على عباده برفع الإثم الآخروى عنهم إحسانا ورحمة حيث أمرهم بدعائه " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " () ولو لم يكن الخطأ مؤاخذا عليه لكان معنى الآية – كما يقول العلماء – لا تجر علينا الخطأ، وهذا محال بدلالة الواقع؛ فكان معنى الآية أن الإثم مرفوع مع بقاء وصف الفعل على حاله – وبخاصة فى الغرامات والديات باتفاق الفقهاء ().

فإذا كان التعدى متعلقاً بالفعل دون الفاعل، وكان حظ فعل غير المميز كحظ فعل المميز فلا وجه للتفرقة بينهما لما ذكر شيخنا الخفيف، وهو مؤيد كما رأينا بإجماع العلماء.

174 - وزيادة على توجيه الإمام أورد بعضا مما وقفت عليه فى إتلاف الصبى والمجنون تسبباً لأدلل به على صحة هذا التوجه، بعد أن أفند المثال الأوحد الذى تمسك به المخالفون.

175 - متمسك المخالفين:

يتمسك المخالفون بمثال مبتور نسبوه إلى مبسوط السرخسى نصه " لو سار الصبى على الدابة فوطىء إنسانا فقتله فإن كان هو ممن يستمسك عليها فدية القتيل على عاقلة الصبى، وإن كان ممن لا يسير على الدابة لصغره، ولا يستمسك عليها فدم القتيل هدر " ()

وهذا المثال على ما فيه من تعسف فى النقل لا يصلح أصلاً،لأن جناية الوطء تقع مباشرة لا تسببا فى رأى الحنفية ()، فهو أولا فى غير محل النزاع، وثانيا فلأن باب هذا المثال عند الحنفية وغيرهم هو جناية البهيمة لا الصبى، وصحته " لو حمل صبى لا يستمسك على دابة واقفة ثم سارت فأوطأت لا ضمانة على عاقلة الصبى ولا على الحامل، لأنه لم يسير الدابة، فكانت الدابة كالمنفلتة " () وتوجيهه أن الأصل فى جناية العجماء الهدر للحديث الوارد فى ذلك، وإنما يضمن فعلها بثبوت اليد عليها،فإذا خرجت عن السيطرة بجموحها أو انفلاتها فجنايتها هدر فى قول جمهور الفقهاء للحديث ()، وفى قول الحنفية وغيرهم أن للبهيمة اختياراً فى فعلها، الأصل أن لا يضاف فعلها إلى غيرها، لكن مع ثبوت القدرة صح إضافة هذا الفعل إلى "الحارس".

ولا شك أن الصغير الذى لا يستمسك لا قدرة له، بل هو بمنزلة المتاع فكان سير الدابة مضافا إليها لا إليه، ولهذا أهدر ()، ومثل هذا الحكم – كما سنرى فيما بعد – قالوه فى الكبير إذا جمحت به الدابه فملحظه إذن ليس التمييز وعدمه، وإنما ملحظه القدرة على الحفظ والتسيير وانتفاؤها ()

176 - متمسك المؤيدين:

كما رأينا فإن الشيخ الخفيف نفى أن يكون قد وقف على شئ، وتلقف الدكتور العكام عبارته، واستنصر لها ثم استشهد بشاهدين:-

الأول: من قول الدسوقى فى حاشيته " لأن الشارع جعل الترك سببا فى الضمان، فيتناول البالغ وغيره" ()، قال: والترك من حالات التسبب إلى الإضرار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير