تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المعيار الذى لا يأبه بالأمور الذاتية يسمى معيارا ماديا أو موضوعيا لتجرده عن الاعتبارات الشخصية، ومثل هذا المعيار ييسر من مهمة القاضى فى تكييف الفعل لبعده عن كل اعتبار باطنى قد لا يسهل الكشف عنه، ولكنه مع هذا قد يبدو غامضاً فى بعض الفروض.

بيان ذلك أن العادة هي: الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية، أو هي غلبة معني من المعاني علي جميع البلاد أو بعضها ()، فمن شرط اعتبارها أن تطرد أو

تغلب ()، وهذا الاطراد قد يكون ببلد دون غيرها، لذا قال بعض الحنفية. . " الهلاك بالثلج المرمى إذا زلق به الإنسان أو دابة لا ضمان فيه، نافذة كانت السكة أو غير نافذة. . ـ وهذا خلاف ما روى الإمام محمد، وجوابه أن قول محمد حيث يقل الثلج هناك أو لا يكون " ()، ومعنى هذا أن عادة القوم هى التى تضبط ما إذا كان الفعل تعديا أم لا، بل كما يقرر العلماء فإن على القاضى – إذا جهل عادة الناس – أن يسأل الخصوم عنها – أو يسأل أهل الخبرة – لأن كل من له عرف يحمل تصرفه على عرفه، بل إن كل ما هو فى الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة، وهذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها ().

183 - ضابط التعدى إذا اضطربت العادة:

يبقى فرض ما إذا اضطربت العادة، أو لم تتعين، فما السبيل إلى تقدير ما إذا كان الفعل قد وقع تعدياً أم لا؟

مثال الفرض: طرح القمامات فى طرف الطريق إذا تعثر بها أحد ()، أو استعمال آلة التنبيه فجأة إذا فزع منها حيوان أو إنسان فاضطرب وتعثر فى سيره، أو الانحراف فى السير إلى جهة اليسار – مثلا – بغية تخطى السيارة التى أمامه فتسقط السيارة فى المزارع وتصيب أحدا، ونحو ذلك من التصرفات التى ينبغى إتيانها بقدر من التبصر والاحتياط، والفرض هنا أن العادة فى تقديرها مضطربة.

ففى المثال الأولى حكى بعض الفقهاء الخلاف فى الضمان، فعلى الثانى – وهو مقابل الصحيح – عند الشافعية " لا ضمان لاطراد العادة بالمسامحة به مع الحاجة" ()، وفى جواهر الكلام " المتجه فى مثل الفرض تنقيح جواز ذلك فى الطريق وعدمه، ولعل السيرة فى جميع الأعصار والأمصار مع الأصل تقتضى الجواز، واتفاق الضرر نادرا لا ينافى ذلك " ()، بيد أن الظاهر من قول أكثر الفقهاء خلاف ذلك ().

ومرد هذا الخلاف – فيما يظهر لى – إلى اضطراب العادة، والمسألة على الفرض المذكور تحتمل الشك فى تجاوز الحد المأذون به، وعدم مجاوزته والشك – كما يقرر الفقهاء فى غير موضع – يسقط الضمان " لأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك " ()، غير أن هذا الأصل معارض بأن الأصل فى المضار التحريم لقول النبى ? " لا ضرر ولاضرار "، واتفاق العلماء على أن الضرر يرفع بقدر الإمكان ()، إذا فالأمران كليان، والاحتراز وعدمه مجال الظنون لا موضع فيه للقطع، وتتعارض فيه الظنون ()، فإذا كان الأمر كذلك فلابد من مخلص لدفع هذا التعارض، ويحتمل فيه وجوه:

أولها: أن يترك التقدير إلى اجتهاد القاضى فيقضى بما يترجح فى نفسه وفقا لظواهر الإمارات ودلائل الأحوال، على أساس أن كل مدرك مختلف فيه اختلاف متقاربا – فكلا – القولين فى ذلك المدرك معتبر شرعاً عند من يراه من حاكم أو مفت " إلا أن يكون المدرك فى غاية الضعف فلا يعتبر " ().

ويبدو هذا الحل مستساغا فى قضاء محكمة النقض المصرية، فقد قضت بأن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو من المسائل الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة ولها أصل فى الأوراق " () كما قضت " بأن المقرر أن السرعة التى تصلح أساسا للمساءلة الجنائية فى جريمة الإصابة الخطأ ليست لها حدود ثابتة، وإنما هى التى تجاوز الحد الذى تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه فيتسبب عن هذا التجاوز الجرح، وإنه إن كان تقدير سرعة السيارة فى ظروف معينة، وهل تعد عنصرا من عناصر الخطأ أم لا مسألة موضوعية يرجع الفصل فيها لمحكمة الموضوع وحدها بغير معقب عليها إلا أن شرط ذلك أن يكون تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة وله أصل فى الأوراق ()

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير