سواء كانت هذه الديون مالاً أو عبادة بين الشارع أنها تقضى وتؤدى بعد موت المكلف بها ..
فالأخبار تقول للسائلة ..
دين العبد تقضينه .. وهي تعلم هذا ..
وأن حقوق الله ديون .. وهي تعلم هذا ..
ولكن شكت في ديون الله إن كانت تقضى أو لا ..
فقال لها ..
فكما تقضين دين العبد فتضين دين الله في القضاء ..
ذكر ذلك تمثيلاً لها فقط لكون ذلك معلوم ..
فلا فرق بين الديون في القضاء ..
إلا أن ديون الله أحق بالقضاء من ديون العبد ..
هذا ما يقوله الخبر فقط ..
ولو كان تجهل أن هذه الحقوق لله تعالى وديون لما سألت بقولها ..
(أفأقضيه عنها) ..
فلا يوجد قضاء إلا عن شيء نعتبره ديناً ..
هكذا يفهم العربي ..
وكذلك في النذر والحج ..
فإنها تعلم أن هذه الحقوق لله تعالى ..
فشكها كان من جهة كون هذا القضاء منها مجزئ عن الميت فقط ..
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن لا فرق بين الديون في هذا ..
فالواجب قضاء دين الله تعالى وحقه ودين الناس مع تقديم حق الله على حق الناس ..
خامساً ..
احتج بعض أصحابنا على أهل القياس بأن قال ..
إذا كان هذا قياس بحسب دعواكم فإنه قد صدر ممن كان معصوماً في أمر الديانة ..
وكان له الحق في التشريع وفق ما أمره الله تعالى به ..
وليست هذه المنزلة لأحد من البشر غيره صلى الله عليه وسلم ..
فإن كان قياساً كما تدعون فقد أمنا من الخطأ والظن فيه يقيناً ..
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم إلا من وحي في أمر الديانة ..
فهل لكم من الأئمة من له هذه المنزلة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما نحن فلا نقول بهذا ..
بل نقول ليس هذا قياس من النبي صلى الله عليه وسلم البتة ..
ولا فيه أثر للقياس أصلاً ..
فهنا دين للناس ودين لله تعالى ..
وشكت السائلة في كون الصوم والحج وهما ديون وحقوق لله ثبتت في ذمة الميت إن كان يطلب الشارع من قريب الميت قضاء هذه الديون أو لم يطلب ..
فأرشدها وفهمها النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجب قضاء كل دين وكل ما ثبت في الذمة من حقوق لله تعالى أو للعبد مع تقديم حق الله ودينه بالقضاء على حق العبد ..
وقد كان الحكم الأول معلوم مبين ..
وكذلك الحكم الثاني معلوم مبين ..
حتى أن البخاري عندما ذكر هذه الأحاديث تنبه إلى مسألة قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون برأي ولا بظن ولا بقياس ..
وقال في تبويب كتابه الصحيح ..
باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل ..
ليدفع قول من قال أن ذلك رأي وظن لنفي كونه صلى الله عليه وسلم يبلغ بما لم يؤمر به من الأحكام ..
فمن قال أنه قاس بمعنى أن الحكم الثاني لم يكن مذكوراً فقاس النبي صلى الله عليه وسلم المجهول على المعلوم برأيه وظنه ..
فقد نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القول على الله بلا يقين وقطع ..
وقد شهد أهل القياس وأهل الظاهر على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الرأي في الدين إلا طائفة قليلة شذت عن الحق في هذا نصرة لإباحة القول بالرأي والظن ..
ولا يلتفت أهل الحق من الطائفتين لقولها لمعارضة النصوص الصحيحة ..
فما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن شيء فيجيب برأيه وظنه البتة في شيء من أحكام الديانة ..
ومن قال بغير هذا فعليه بالبرهان لنصحح دعواه ..
فإن لم يكن له برهان فذلك تقوّل على النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل ..
وقد قال تعالى: {بما أراك الله} ..
وقال عز وجل: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} ..
وقال ابن مسعود: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية ..
وصح عن جابر بن عبد الله من طريق البخاري يقول ..
مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان، فأتاني وقد أغمي علي، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صب وضوءه علي فأفقت، فقلت: يا رسول الله. كيف أقضي في مالي كيف أصنع في مالي؟ قال جابر: فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث.
وهذه براهين كالشمس للمنصف الناظر بعين وبصيرة كافية لمن وقف عند ما وقف عليه من كان أفضل من الأئمة الأربعة وداود وابن حزم وكل أحد وهو النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ..
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول برأيه في الدين البتة إلا عن طريق الوحي ..
¥