ـ[محمد العبادي]ــــــــ[23 - 04 - 08, 03:44 م]ـ
- قصد المتكلم ودلالة السياق وتفسير الحديث الشريف
ما ذكرناه في تفسير القراّن الكريم ينطبق تمامًا على تفسير السنة النبوية المطهرة، فلا بد لمفسر السنة الذي يروم معرفة الحق في تفسيرها، أن ينظر بعناية وروية إلى السياق وإلى قصد المتكلم، وأن لا يكون مبلغ علمه الألفاظ المجردة عن السياق فقط ..
ولقد نبه علماؤنا الأفذاذ رحمهم الله تعالى في شروحهم للأحاديث الشريفة على هذا المقصد، وإليك بعض الأمثلة العملية في تفسيراتهم رحمهم الله تعالى:
1 – قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
(هل يستريب عاقل في أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: "لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان" إنما كان ذلك لأن الغضب يشوش عليه قلبه وذهنه ويمنعه من كمال الفهم ويحول بينه وبين استيفاء النظر ويعمى عليه طريق العلم والقصد فمن قصر النهى على الغضب وحده دون الهم المزعج والخوف المقلق والجوع والظمأ الشديد وشغل القلب المانع من الفهم فقد قل فقهه وفهمه والتعويل في الحكم على قصد المتكلم والألفاظ لم تقصد لنفسها وإنما هي مقصودة للمعاني والتوصل بها إلى معرفة مراد المتكلم ومراده يظهر من عموم لفظه تارة ومن عموم المعنى الذي قصده تارة وقد يكون فهمه من المعنى أقوى وقد يكون من اللفظ أقوى وقد يتقاربان كما إذا قال الدليل لغيره لا تسلك هذا الطريق فإن فيها من يقطع الطريق أو هي معطشة مخوفة علم هو وكل سامع أن قصده أعم من لفظه وأنه أراد نهيه عن كل طريق هذا شأنها فلو خالفه وسلك طريقا أخرى عطب بها حسن لومه ونسب إلى مخالفته ومعصيته ولو قال الطبيب للعليل وعنده لحم ضأن لا تأكل الضأن فإنه يزيد في مادة المرض لفهم كل عاقل منه أن لحم الإبل والبقر كذلك ولو أكل منهما لعد مخالفا والتحاكم في ذلك إلى فطر الناس وعقولهم ولو من عليه غيره بإحسانه فقال والله لا أكلت له لقمة ولا شربت له ماء يريد خلاصه من منته عليه ثم قبل منه الدراهم والذهب والثياب والشاة ونحوها لعده العقلاء واقعا فيما هو أعظم مما حلف عليه ومرتكبا لذروة سنامه ولو لامه عاقل على كلامه لمن لا يليق به محادثته من امرأة أوصي فقال والله لا كلمته ثم رآه خاليا به يواكله ويشاربه ويعاشره ولا يكلمه لعدوه مرتكبا لأشد مما حلف عليه وأعظمه.) (14).
فنجد أن ابن القيم رحمه الله فسر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ) (15) بقصد المتكلم لا بمجرد اللفظ، فمجرد اللفظ هو النهي عن قضاء الغضبان – ووردت روايات أخرى في الجوع والعطش -، أما قصد المتكلم النهي عن قضاء مشوش الذهب سواء كان التشويش نتيجته الغضب أو الهم أو الحزن ونحو ذلك ..
2 – عن جرير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) (16).
استدل بعض العلماء رحمهم الله تعالى بهذا الحديث على جواز الإحداث في دين الله تعالى طالما أنه كان حسنًا، والناظر للحديث – من بعد - قد يوافق على هذا المعنى، إلا أن الذي يعود إلى السياق، ويتمعن في النظر فيه يرى أن الأمر على غير ذلك ..
- قال الإمام الشاطبي رحمه الله وهو يرد على من استدل بهذا الحديث على جواز الإحداث في دين الله تعالى:
(قوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة الحديث ليس المراد به الاختراع البتة والا لزم من ذلك التعارض بين الادله القطعية ان زعم مورد السؤال ان ما ذكره من الدليل مقطوع به فإن زعم انه مظنون فما تقدم من الدليل على ذم البدع مقطوع به فيلزم التعارض بين القطعى والظني والاتفاق من المحققين ولكن فيه من وجهين
احدهما انه يقال انه من قبيل المتعارضين اذ تقدم اولا ان ادلة الذم تكرر عمومها في احاديث كثيره من غير تخصيص واذا تعارضت ادلة العموم والتخصيص لم يقبل بعد ذلك التخصيص
¥