تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والثاني على التنزيل لفقد التعارض فليس المراد بالحديث الاستنان بمعنى الاختراع وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية وذلك لوجهين احدهما ان السبب الذي جاء لاجله الحديث هو الصدقة المشروعة بدليل ما في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار او العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فقمص وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم

لما رآهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن واقام فصلى ثم خطب فقال يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة الآية والآية التي في سورة الحشر اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة قال فجاءه رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت

قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم

يتهلل كأنه مذهبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من سن في الاسلام سنة حسنه فله اجرها واجر من عمل بها بعده من غير ان ينقص من أجورهم شيء ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير ان ينقص من اوزارهم شيء

فتأملوا اين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من سن سنة سيئة تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على ابلغ ما يقدر عليه حتى بتلك الصره فانفتح بسببه باب الصدقه على الوجه الأبلغ فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم

حتى قال من سن في الاسلام سنة حسنة الحديث فدل على ان السنة ها هنا مثل ما فعل ذلك الصحابي وهو العمل بما ثبت كونه سنة وان الحديث مطابق لقوله في الحديث الآخر من احيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي الحديث إلى قوله ومن ابتدع بدعة ضلالة فجعل مقابل تلك السنة الابتداع فظهر ان السنة الحسنة ليست بمبتدعة وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم

ومن احيا سنتي فقد احبني ووجه ذلك في الحديث الاول ظاهر لانه صلى الله عليه وسلم

لما مضى على الصدقة اولا ثم جاء ذلك الانصاري بما جاء به فانثال بعده العطاء إلى الكفاية فكأنها كانت سنة ايقظها رضي الله تعالى عنه بفعله

فليس معناه من اخترع سنة وابتدعها ولم تكن ثابتة

ونحو هذا الحديث في رقائق ابن المبارك مما يوضح معناه عن حذيفة رضي الله عنه قال قام سائل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

فسأل فسكت القوم

ثم ان رجلا اعطاه فأعطاه القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من استن خيرا فاستن به فله اجره ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ومن استن شرا فاستن به فعليه وزره ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم فإذا قوله من سن سنة معناه من عمل بسنة لا من اخترع سنة) (17) ..

فنجد هنا أن الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى قد بين أن خطأهم في فهم هذا الحديث الشريف راجع إلى تجريد الحديث من سياقه، فإذا عدنا إلى السياق وجدنا أن معنى (سن سنة حسنة) أي أعاد سنة للنبي صلى الله عليه وسلم قد درست وتغافل عنها الناس ..

3 – عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من البر الصيام في السفر) .. (18) ..

أخذ الظاهرية رحمهم الله تعالى من هذا الحديث حرمة الصوم على المسافر، والناظر للنص بظاهرية سيتفق معهم في هذا الحكم، إلا أن الذي يعود إلى سياق الحديث ستتضح له الوجهة الصحيحة، فإن الحديث بتمامه هو:

(عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال: "ما هذا؟ " قالوا: صائم, قال: "ليس من البر الصيام في السفر)

- يقول الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

(أخذ من هذا: أنه كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القربات ويكون قوله: "ليس من البر الصيام في السفر", منزلا على مثل الحالة والظاهرية المانعون من الصوم في السفر يقولون: إن اللفظ عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ويجب أن تتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم وبين مجرد ورود العام على السبب لا يقتضي التخصيص به كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] بسبب سرقة رداء صفوان وأنه لا يقتضي التخصيص به بالضرورة والإجماع أما السياق والقرائن: فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا تحصى وانظر في قوله عليه السلام: "ليس من البر الصيام في السفر" مع حكاية هذه الحالة مع أي القبيل هو؟ فنزله عليه.) (19) ..

فنجد في هذا النص أن ابن دقيق العيد نبه على شيء في غاية الأهمية، وهو التفريق بين قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وبين السياق الذي يقتضي التخصيص، فإن قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب تنزل على القضايا المتفقة في جوهر القضية، وإن اختلفت الصور والأشكال، كأن ينزل حكم ما من أجل فعل أحد من الناس، فلا يقتصر هذا الحكم على فلان، بل على كل من أتى بمثل فعله، أما مع الاختلاف الحقيقي، وتعليق الحكم على على معينة، فإن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير