تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- ومنها سد الذرائع وفتحها إذ "الأصل في اعتبار الذرائع هو النظر إلى مآلات الأفعال، فيأخذ الفعل حكما يتفق مع ما يؤول إليه، فإذا كان الفعل يؤدي إلى مطلوب فهو مطلوب، وإن كان لا يؤدي إلا إلى شر فهو منهي عنه"25، حتى ولو كان في الأصل مشروعا.

ومنها ما عبر عنه الشيخ ابن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية وهو: أن غرضه من بيان أنواع المصالح "ليس مجرد معرفة مراعاة الشريعة إياها في أحكامها المتلقاة منها، لأن ذلك مجرد تفقه في الأحكام ... وهو دون عرضنا من علم مقاصد الشريعة، ولا أن نقيس النظائر على جزئيات تلك المصالح، لأن ذلك ملحق بالقياس ... وإنما غرضنا من ذلك أن نعرف كثيرا من صور المصالح المختلفة الأنواع، المعروف قصد الشريعة إياها، حتى يحصل لنا من تلك المعرفة يقين بصور كلية من أنواع هاته المصالح، فمتى حلت الحوادث التي لم يسبق حلولها في زمن الشارع، ولا لها نظائر ذات أحكام متلقاة منها، عرفنا كيف ندخلها تحت تلك الصور الكلية فنثبت لها من الأحكام أمثال ما ثبت لكلياتها، ونطمئن بأننا في ذلك مثبتون أحكاما شرعية"26. إذ لا ينبغي الاختلاف بين العلماء "في وجوب اعتبار مصالح هذه الأمة ومفاسد أحوالها ... وأنه ليس للعالم أن يترقب حتى يجد المصالح المثبتة أحكامها بالتعيين أو الملحقة بأحكام نظائرها ... ".

خامسا: بالإضافة إلى هذا قرر الأصوليون المالكيون أصلا آخر أطلقوا عليه: ما جرى به العمل. ومفاده الرجوع إلى الأقوال المتروكة أو الضعيفة في المذهب لسبب قد يكون هو تبدل العرف أو عروض مصلحة أو درء مفسدة أو خوف فتنة ... وهو في جوهره لا يخرج عن الأصول التي استنبطها مالك.

سادسا: وقريب من هذا الأصل، هناك أصل آخر عبروا عنه بمراعاة الخلاف، إذ الأول عبارة عن الانفتاح على الأقوال المتروكة أو المحكوم عليها بالضعف داخل المذهب، وهذا عبارة عن الرجوع إلى الأقوال الضعيفة خارج المذهب متى كان التمسك بالراجح أو المشهور في المذهب يفضي إلى "مفسدة توازي مفسدة النهي أو تزيد"27. مثل العدول عن فسخ الأنكحة الفاسدة للصداق، ومثل توريث المرأة واستحقاقها الصداق إذا تزوجت بغير ولي مراعاة للخلاف، إذ لا يخفى أن الولي شرط في عقد الزواج، لا يتم العقد بدونه في المذهب المالكي أو المشهور منه على الأقل.

هل هذه الأصول قابلة للتطور؟

بقي بعد هذا سؤال يطرح وهو: هل هذه الأصول قابلة للتطور؟ أو بعبارة أخرى إذا كانت الفروع في تطور مستمر تبعا لتطور الأحداث والوقائع. فهل يمكن أن يلحق هذا التطور بالأصول التي هي مصادر الاستنباط؟

يمكن أن نسوق في الجواب عن هذا السؤال رأيين متقابلين: الأول منهما يوحي بأن هذه الأصول غير قابلة للتطور، لأن الذي وضعها هو الإمام مالك، ولأن أصحابه لم يكونوا مجتهدين إلا في الفروع فقط، قال الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور: "والذي اجتهد في وضع الأصول، والذي نظر فيما ينبغي أن يكون حجة وما لا ينبغي أن يكون، وقرر مثلا أن عمل أهل المدينة حجة، وأن الاستحسان حجة، وسد الذرائع حجة إلى غير ذلك هو الإمام مالك بن أنس ... أما أصحابه فكانوا يجتهدون في الفروع ولا يجتهدون في الأصول. بينما هو كان يجتهد في الأصول وفي الفروع، فإذا قيل إنهم مالكية، فإنهم مالكية في الأصول، ومالكية في المنهج ... بدليل أنهم اختلفوا مع إمامهم اختلافا واضحا في مسائل كثيرة هي قوام الدراسة الفقهية، ومع ذلك فإنهم فيما يرجع إلى حجية الأصول التي يرجع إليها في استخراج الأحكام الفرعية، فقد كانوا متبعين للطريقة الأصلية المنهجية التي وضعها مالك بن أنس استقراء من سير الفقه على عهد الصحابة وعهد التابعين رضي الله عنهم"28.

أما الرأي الثاني فيفيد أن هذه الأصول قابلة للتطور من جهة، وغير قابلة له من جهة. فمن جهة عدم التطور يرى الإمام الشاطبي: "أن هذا القرآن الكريم أتى بالتعريف بمصالح الدارين جلبا لها والتعريف بمفاسدها دفعا لها ... وأن المصالح لا تعدو ثلاثة أقسام وهي الضروريات ... والحاجيات ... والتحسينيات ... ولا زائد على هذه الثلاثة المقررة في كتاب المقاصد، وإذا نظرنا إلى السنة وجدناها لا تزيد على تقرير هذه الأمور ... فلا تجد في السنة إلا ما هو راجع إلى تلك الأقسام"29.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير