حيرتني هذه المسألة وأخذت مني وقتا، والله المستعان.
ورد في فتح الباري:
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُجَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ عَدِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ أَمَّا التِّرْمِذِيّ فَلَفْظه " سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْد الْبَازِي فَقَالَ: مَا أَمْسَكَ عَلَيْك فَكُلْ " وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ فَلَفْظه " مَا عَلَّمْت مِنْ كَلْب أَوْ بَازٍ ثُمَّ أَرْسَلْته وَذَكَرْت اِسْم اللَّه فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك. قُلْت: وَإِنْ قَتَلَ؟ قَالَ: إِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُل مِنْهُ " قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أَهْل الْعِلْم لَا يَرَوْنَ بِصَيْدِ الْبَاز وَالصُّقُور بَأْسًا ا ه. وَفِي مَعْنَى الْبَاز الصَّقْر وَالْعُقَاب وَالْبَاشِق وَالشَّاهِينَ، وَقَدْ فَسَّرَ مُجَاهِد الْجَوَارِح فِي الْآيَة بِالْكِلَابِ وَالطُّيُور، وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ اِبْنِ عُمَر وَابْنِ عَبَّاس مِنْ التَّفْرِقَة بَيْن صَيْد الْكَلْب وَالطَّيْر." أهـ
ذكر ابن حجر في هذا النص كما رأينا أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما فرقا بين صيد الكلب والطير.
ورد في مصنف ابن أبي شيبة:
(1) حدثنا أبو بكر قال نا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن نافع عن أبن عمر قال في الطير: البزاة والصقور وغيرها وما أدركت ذكاته فهو لك وما لم تدرك ذكاته فلا تأكله.
وأخرج عبد الرزاق:
عن ابن عمر قال:
يصطاد من الطير البيزان وغيرها، فإن أدركت ذكاته فكل، وإلا فلا تطعمه، وأما الكلب المعلم فكل مما أمسك عليك وإن أكل منه."
وأظن أنه لهذا السبب قال ابن بطال:
" وروى عن ابن عمر ومجاهد قول شاذ أنه لا يكون جارح إلا كلبًا، وكرها صيد الطير، والناس على خلافهم لما دل عليه الكتاب من كونها كلها جوارح."أهـ
أما ابن عباس رضي الله عنه:
فقد ورد في مصنف عبدالرزاق:
... عن أبي حنيفة عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا أكل الكلب المعلم فلا تأكل، وأما الصقر والبازي فإنه إذا أكل أكل.
وبذلك يظهر أن ابن عمر وابن عباس فرقا فيما يخص حكم الصيد الذي أكل منه الكلب دون الطير، أو الطير دون الكلب.
ولي ملاحظة فيما يخص ما قاله ابن بطال
" وروى عن ابن عمر ومجاهد قول شاذ أنه لا يكون جارح إلا كلبًا، وكرها صيد الطير، والناس على خلافهم لما دل عليه الكتاب من كونها كلها جوارح" أهـ
هذا التحقيق لفقه ابن عمر في المسألة فيه نظر في وجهة نظري والله أعلم وأحكم:
وذلك بالنظر للآثار السابقة عن ابن عمر، فابن عمر مؤكد أنه يعلم كون الصقر أو البازي من الجوارح،وأراد الإشار إلى طريقة تعليم الطير، فما أعتقده أن التدريب يختلف، فربما كان من يستفتيه قام بتعليم طيره طريقة معينة لا تمكن طائره من أن يذكي طريدته، وإلا فالمعروف أن الطير بالفطرة يذكي طريدته إذا صادها، وفي الحقيقة معلوماتي ضحلة فيما يخص هذا المجال، أو أراد ابن عمر أن يميز الطير المعلم من غيره.
ويظهر أن ابن عباس وابن عمر كان هدفهم التمييز بن الجارح المعلم وغير المعلم.
والله أعلم وأحكم.
وللفائدة:
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18267.shtml
ـ[أبو الأشبال عبدالجبار]ــــــــ[15 - 09 - 08, 08:50 ص]ـ
الأخوة الأفاضل:
هل هناك من وجد فروعا أخرى؟
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[16 - 09 - 08, 04:29 ص]ـ
بارك الله فيك أخي أبا الأشبال .. ما كتبتُ من مسائل كان مما علق بالبال وقت الكتابة، ولم أتوقع أن تجهد نفسك في تحقيق كل مسألة على حدة .. لكن أسأل الله أن يكتب لك الأجر والمثوبة.
أما بالنسبة لمسألة الصيد، فحتى تتضح الصورة أقول: عندنا ثلاث مسائل قد يخلط بينها بعض طلبة العلم:
المسألة الأولى: هل كل ما يقبل التعلم ويمكن الاصطياد به يأخذ حكم الكلب أو لا؟
جمهور أهل العلم على أنه يأخذ حكمه، وهو قول ابن عباس، وبه قال الأئمة الأربعة.
والقول الثاني: أن هذا مختص بالكلب فقط، وهذا هو المحكي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وعن مجاهد.
وقول ثالث: أنه يستثنى من الطيور الجارحة البازي فقط؛ فيجوز الصيد به ويحل صيده دون غيره، ولا أعلم قائله، لكنه مذكور في كتب الخلاف.
وأدلة الأقوال مبسوطة في كتب الخلاف.
المسألة الثانية: هل يشترط في الجارح عدم الأكل أو لا؟
فالجمهور على اشتراطه، وأنه إن أكل منه لم يحل.
ومالك على أنه يحل، وليس عدم الأكل شرطا.
المسألة الثالثة: هل يشترك ذلك في الطائر أيضا أو لا؟ [لاحظ أن الإمام مالكا غير داخل في هذه المسألة لأنه لا يشترط ذلك أصلا]
فأبو حنيفة وأحمد على أنه لا يشترط ذلك، فلو أكل الطائر كالبازي والصقر، من الصيد فلا بأس بذلك.
والشافعي على أنه كالكلب في التحريم، فلو أكل منه لم يحل هذا الصيد.
ودليل أبي حنيفة وأحمد في هذه المسألة بخصوصها هو أثر ابن عباس المذكور.
فالخلاصة: أن جمهور أهل العلم يرون جاز الصيد بكل ما قبل التعليم، فإن أكل منه فلا يرى مالك بذلك بأسا مطلقا، سواء أكان كلبا أم بازيا، والشافعي لا يرى جواز ذلك مطلقا، كذلك، وأحمد وأبو حنيفة يفرقان بين البازي والكلب.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
¥