تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قِيلَ لَهُ: إنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي ظَهَرَ خِلَافُهُ كَمَا نَقُولُ: إنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إذَا انْتَشَرَ قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ أَقْوَى مِنْ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُنْشَرْ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ فَكَانَ أَدْوَنُ هَذِهِ الْمَنَازِلِ إذَا عَضَّدَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ مُلْحَقَةً بِمَنْزِلَةِ الشَّبَهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّبَهُ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً.

فَأَمَّا أَوْلَى الْقِيَاسَيْنِ فَلَا يَسْلَمُ مِنْ مُعَارَضَةِ مَا تَبْطُلُ مَعَهُ دَلَالَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ الَّذِي لَا مُخَالِفَ لَهُ مُقْتَرِنًا بِالشَّبَهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي الدَّلَائِلِ ": مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَّةٍ، أَنَّهُ إذَا تَجَاذَبَ الْمَسْأَلَةُ أَصْلَانِ مُحْتَمَلَانِ يُوَافِقُ أَحَدُهُمَا قَوْلَ الصَّحَابِيِّ، فَيَكُونُ الدَّلِيلُ الَّذِي مَعَهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ أَوْلَى فِي هَذَا عَلَى التَّقْوِيَةِ وَأَنَّهُ أَقْوَى الْمَذْهَبَيْنِ فَلَا يُغْلَطُ عَلَى الشَّافِعِيِّ.

هَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ تَقْلِيدَهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ مَا يُخَالِفُهُ وَيُعَضِّدُهُ ضَرْبٌ مِنْ الْقِيَاسِ.

وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُقَوٍّ لِلْقِيَاسِ وَمُغَلِّبٌ لَهُ كَمَا يُغَلَّبُ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ.

وَظَاهِرُ نَصِّ الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ يَقْتَضِي تَسَاوِي الْقِيَاسَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قِيَاسٍ وَقِيَاسٍ.

نَعَمْ، قَوْلُهُ: وَلَا شَيْئًا فِي مَعْنَاهُ يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِهِ ظَاهِرٌ فِي تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ مُسْتَنَدُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ: الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ.

وَلَمَّا حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: الْقَوْلَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قِيَاسٌ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَ مَعَ قَوْلِهِ قِيَاسٌ ضَعِيفٌ فَقَوْلُهُ مَعَهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَجَمَاعَةٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدِي، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ لِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ بِانْفِرَادِهِ، وَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ الضَّعِيفُ، فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَ.

ضَعِيفَانِ غَلَبَا الْقَوِيَّ؟ انْتَهَى.

وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ حَكَاهُ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعِ " عَنْ الصَّيْرَفِيِّ، ثُمَّ خَطَّأَهُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ " عَنْ حِكَايَةِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ قِيَاسٌ ضَعِيفٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ قَوْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ ضَعَّفَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ.

وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْحَاوِي " عَنْ الْقَدِيمِ.

لَكِنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ مَعَ الْجَلِيِّ، وَأَنَّ الْخَفِيَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْجَلِيِّ إذَا كَانَ مَعَ الْأَوَّلِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ.

قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ، وَقَالَ: الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَوْلَى.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا فِي الْحَاوِي " فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ قِيَاسَ التَّقْرِيبِ إذَا انْضَمَّ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ التَّحْقِيقِ.

وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْجُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ ".

قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ فِي الرِّسَالَةِ ".

وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي كِتَابِهِ: إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَوْلًا وَعَارَضَهُ الْقِيَاسُ الْقَوِيُّ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ مَعَ الصَّحَابِيِّ قِيَاسٌ خَفِيٌّ كَانَ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَوْلَى، لِقَضِيَّةِ عُثْمَانَ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ.

وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ فَقَطْ وَقَدْ عَارَضَهُ الْقِيَاسُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: إنَّ قَوْلَهُ يُقَدَّمُ، لِعِلْمِهِ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: أَوْلَى، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالرُّجُوعِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ الصَّحَابِيَّ يَجُوزُ عَلَيْهِ السَّهْوُ.أهـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير