تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدليل السابع: قالوا: إنّ العوام في زمن الصحابة , رضي الله عنهم , والتابعين كانوا إذا نزل بهم حادثة أو وقعت لهم واقعة , يلجؤون إلى المجتهدين من الصحابة أو التابعين , فيسألوهم عن حكم الله في تلك الحوادث والوقائع من غير أن يُنكروا عليه سؤالهم واستفسارهم , ولم يُنقل عنهم أنّهم أمروا هؤلاء السائلين بان يجتهدوا ليعرفوا الحكم بأنفسهم , فكان ذلك إجماعا من الصحابة والتابعين على أنّ من لم يقدر على الاجتهاد لا يُكلّف به , وأنّ طريق معرفته للأحكام هو سؤال القادر على الاجتهاد. فتكليف الناس جميعا بالاجتهاد فيه مخالفة لهذا الإجماع [68].

الدليل الثامن: قالوا: لا خلاف أنّ طلب العلم من فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقط عن الباقين , ولو منعنا التقليد؛ لأفضى إلى أن يكون من فروض الأعيان , وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم , بل المنقول عن الصحابة , رضي الله عنهم , والتابعين واهل العلم , أنّ الناس منهم العالم المجتهد ومنهم العامّي المقلّد [69].

الدليل التاسع: قالوا: إنّ المجتهد في الفروع إمّا مصيب , وإمّا مخطئ مثاب على اجتهاده غير آثم [70] لحديث رسول الله , صلّى الله عليه وسلّم: " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران , وإن أخطا فله أجر " [71]. يقول الأستاذ عبد الكريم النملة في شرحه على روضة الناظر: " فهذا يٌفيد أنّ المجتهد في الفروع إذا أخطأ فلا إثم عليه , بل له أجر , فلا خطر على المقلّد في هذا ... فلذلك جاز التقليد في الفروع " [72].

الدليل العاشر: قالوا: إنّ تكليف الناس جميعا بالاجتهاد يُؤدّي إلى شغلهم عن القيام بمصالحهم الضروريّة , ومعايشهم الدنيويّة , وفي ذلك تعطيل للمصالح , والصنائع والحرف , وخراب الدنيا , وتعطيل الحرث والنسل , ورفع الاجتهاد والتقليد رأسا , وهو من الحرج والإضرار النفي بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وهو عامّ في كلّ حرج وضرار , كونه نكرة في سياق النفي , وهو عام في المسائل الاجتهاديّة [73].

الدليل الحادي عشر: أنّ الاجتهاد قوّة وملكة لا تكون إلا لخاصّة العلماء الذين توفّرت لديهم أسبابها , وكملت لهم وسائلها و فإذا كُلّف به من لا يقدر عليه كان ذلك تكليفا له بما ليس في وسعه , والتكليف بما ليس في الوسع لا يجوز شرعا لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] [74] , وليس للعامّي آلة الاجتهاد في الأحكام؛ لأنّ الأدلّة فيها مكتسبة ومقتبسة بالتعليم لا بالقريحة

المطلب الثاني: المانعون للتقليد وأدلّتهم.

ذهب بعض العلماء إلى القول بعدم جواز التقليد مطلقا وبأي وجه من الوجوه , ورأوا أنّ الواجب على العامّي هو النظر والاجتهاد , وأشهر من قال بهذا القول هم الظاهريّة [75] , ومعتزلة بغداد , والإمام الشوكانيّ [76] وغيرهم , واستدلّوا على قولهم هذا بأدلّة من القرآن والسنّة , ومن هذه الأدلّة:

الدليل الأوّل: الآيات القرآنيّة التي ذمّت تقليد الآباء والرؤساء , ومن هذه الآيات قوله تعالى: {َكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] , قالوا: إنّ الله تعالى ذكر تقليد الآباء في معرض الذم والمذموم لا يمكن أن يكون جائزا.

ومنها قوله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 66 , 67] , ومنها قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170].

قال الإمام الشوكانيّ في تفسيره لهذه الآية: وفي هذه الآية من الذم للمقلّدين , والنداء بجهلهم الفاحش واعتقادهم الفاسد ما لا يقدر قدره " [77].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير