يقول الإمام ابن قيّم بعد أن ذكر آية الأحزاب: " وهذا نصّ في بطلان التقليد " [78]. ويقول الإمام ابن عبد البرّ بعد أن سرد الآيات السابقة: " قال أبو عمر: وقد احتجّ العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من جهة الاحتجاج بها , لأنّ التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر , وإنّما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجّة للمقلّد , كما لو قلّد رجل فكفر , وقلّد فأذنب , وقلّد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها؛ كان كلّ واحد ملوما على التقليد بغير حجّة؛ لأنّ كلّ ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الأثام فيه " [79].
ويقول الإمام الشوكاني: " فهذه الآيات وغيرها ممّا ورد في معناه ناعية على المقلّدين ما هم فيه , وهي وإن كان تنزيلها في الكفار لكنّه قد صحّ تأويلها في المقلّدين لاتّحاد العلّة , وقد تقرّر في الأصول أنّ الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , وأنّ الحكم يدور مع العلّة وجودا وعدما " [80].
ويقول الإمام ابن حزم مستدلا بالآيات السابقة على بطلان التقليد: " فمن لم يأت بكتاب الله تعالى شاهد لقوله , أو برهن على صدق قوله , وإلا فليس صادقا , لكنّه كاذب آفك , مفتر على الله غزّ وجلّ , ومن أطاع سادته وكبراءه وترك ما جاءه عن الله تعالى وعن رسوله فقد ضلّ , بنصّ القرآن واستحقّ الوعيد بالنار " إلى أن قال: " هكذا والله يقول هؤلاء الفضلاء الذين قلّدوا أقوام قد نهوهم عن تقليدهم؛ فإنّهم رحمهم الله تبرّءوا في الدنيا والآخرة من كلّ من قلّدهم , وفاز أولئك الأفاضل الأخيار , وهلك المقلّدون لهم , بعد ما سمعوا من الوعيد الشديد , والنهي عن التقليد , وعلموا أنّ أسلافهم الذين قلدوا قد نهوهم عن تقليدهم , وتبرّءوا منهم إن فعلوا ذلك " [81].
الدليل الثاني: قالوا إنّ التقليد تقوّل على الله بغير علم وقد نهى الله عن ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {168} إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {169} وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [البقرة: 168 , 179] , وقال في سورة أخرى مبيّنا حرمة التقليد: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] , وقال في سورة أخرى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36]. يقول القنّوجيّ: " فصرّح جلّ جلاله بالتحريم في هذه الأشياء التي من جملتها التقوّل على الله بغير علم. . . وأيضا التقليد يوجب إتباع الخطأ؛ لأنّه جائز الوقوع من المجتهد , وعلى تقدير وقوعه يجب إتباعه , والدفع بأنّ الخطأ جائز مع إبداء المستند مسلّم ولكنّه عفو بالنسبة إليه , لورود الدليل الصحيح من المجتهدين أجرا " [82]. ويقول الإمام ابن حزم: " ومن قلّد فقد قال على الله ما لا يعلم , وهذا نصّ كلام ربّ العالمين " [83]
الدليل الثالث: قال رسول الله , صلّى الله عليه وسلّم: " طلب العلم فريضة على كلّ مسلم " [84] , وقال كذلك " اعملوا فكلّ ميسّر لما خُلق له " [85] , قالوا إنّ الحديثين عامّان في جميع الأشخاص وفي كلّ علم , وعليه فهما يدلان على وجوب الاجتهاد والنظر [86].
¥