تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانيا: قولهم أنّ التقليد تقوّل على الله بغير علم , يوجّه بأنّ التقليد إتّباع للمجتهد في مسألة استنبط حكمها من الأدلّة الشرعيّة , المعتمدة في الفقه الإسلاميّ. يقول الإمام الشنقيطي: " أمّا استدلال بعض الظاهريّة كابن حزم ومن تبعه بهذه الآية التي ننحن بصددها - وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ -ً وأمثالها من الآيات على منع الاجتهاد في الشرع مطلقا , وتضليل القائل به , ومنع التقليد من أصله , فهو من وضع القرآن في غير موضعه , وتفسيره بغير معناه , كما هو كثير في الظاهريّة؛ لأنّ مشروعيّة سؤال الجاهل للعالم وعمله بفتياه أمر معلوم من الدين بالضرورة. ومعلوم أنّه كان العامّي يسأل بعض أصحاب النبي , صلّى الله عليه وسلّم , فيفتيه فيعمل بفتياه , ولم يُنكر ذلك أحد من المسلمين " [110].

أمّا ادّعائهم أنّ التقليد يوجب إتّباع الخطأ من الأقوال؛ لأنّ المجتهد قد يخطأ. فمردود؛ لأنّ المجتهد يفتي بما صحّ عنده من الدليل وما يعتقده صوابا , والرسول , صلّى الله عليه وسلّم , بيّن أنّه: " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران , وإن أخطا فله أجر " [111]. ثمّ إنّنا إذا أوجبنا على العامّي الاجتهاد في المسائل النازلة , فلا نأمن من وقوع الخطأ منه , بل هو أقرب إلى الخطأ , لعدم أهليّته , فيكون المحذور مشتركا [112].

ثالثا: إنّ اعتمادهم على حديث رسول الله , صلّى الله عليه وسلم , والذي بيّن فيه أنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم , وأنّ الحديث عامّ يوجب طلب العلم على كلّ مسلم. يُجاب على هذا الحديث بأنّّّ الخطاب وإن كان عامّا فإنّه يُخصّص على من توافرت فيه شروط الاجتهاد وذلك جمعا بين الأدلّة التي اعتمد عليها أصحاب الفريق الأوّل [113]. ثمّ إنّ الحديث بيّن وجوب طلب العلم على المسلم , وإن اعتبرناه عامّا , فهو لا يبيّن حرمة التقليد , فوجوب طلب العلم , لا يعني أنّ كلّ طالب علم قد يصبح مجتهدا يستطيع استنباط الأحكام الشرعيّة من مظانّها , ولذا فلا تعارض بين القول بوجوب التقليد , وبين القول بجواز التقليد , والله أعلم.

وأمّا قول الرسول , صلّّّّّّّى الله عليه وسلّم , " فالمراد في فعل الطاعات؛ لأنّ صدر الحديث يقتضيه؛ لقول الصحابة , رضوان الله عليهم لرسول الله , صلّى الله عليه وسلّم , لمّا سألوه عن القدر , فأخبرهم به عليه السلام , فقالوا: ففيم العمل؟ فقال عليه السلام: اعملوا , وقاربوا , وسدّدوا , فكلّ ميسّر لما خُلق له " [114] وهو المراد بالاجتهاد ها هنا , ولأنّه مطلق؛ لأنّه فعل في سياق الإثبات , فيكفي في العمل به صورة , ونحن قد عملنا به , إمّا في الأعمال الصالحة , وإمّا في أصول الديانات , وأيّما كان فقد خرجنا عن عهدة هذا النصّ , ولم يبق فيه حجّة " [115].

رابعا: قولهم: أنّ الآثار المرويّة عن الصحابة والتابعين والأئمّة وردت بذمّ التقليد , يوجّه بأنّ آثارهم وردت في ذمّ التقليد المذموم الذي سبق بيان حرمته , وهذا التقليد لا يقول به أحد.

أو أنّ ذمّهم هذا كما يقول الإمام ابن عبد البر: " لغير العامّة , فإنّ العامّة لا بدّ لها من تقليد علمائها عند النازلة " [116].

خامسا: أمّا قولهم: إنّ الفروع والأصول مشتركة في التكليف بها , فلو جاز التقليد في الفروع لمن ظهر صدقه فيما اخبر به , لجاز ذلك في الأصول , فالجواب عليه كما بيّن الإمام أبو الخطّاب الحنبليّ في التمهيد: " أنّه جمع بغير علّة , على أنّ مسائل الفروع يُطلب فيها ما يغلب على ظنّه أنّه الحق , وذلك يحصل للعامّي بقول المفتي كما يحصل للعالم بخبر الواحد عن الرسول , صلّى الله عليه وسلّم.

وجواب آخر: أنّ مسائل الأصول من التوحيد والنبوّات طرقها عقليّة يحتاج الإنسان فيها إلى تنبيه يسير؛ فلا ينقطع عمر الإنسان ومعاشه فيها , بخلاف الفروع؛ فإنّها تكثر وتتجدّد , والاجتهاد فيها لا يتمّ إلا بامور شرعيّة لا يمكن ضبطها ومعرفتها إلا بطول يفضي على ما ذكرنا " [117] , أي يؤدّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ي إلى الانقطاع عن المعاش الذي به قوام الدنيا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير