تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأمهات الكتب عند المالكية لا تعتمد على القرآن ولا على السنة، وإنما على رأي مالك وعلى التفريع عليه. قال نذير حمدان في كتابه "الموطآت" (ص186) عن أمهات الكتب المالكية (المدونة والواضحة والعتبية والمَوّازية): «في هذه المصنّفات الإقلال من الاستدلال بالنص، وبخاصة المرويات سنداً ومتناً، والاكتفاء بقول مالك نفسه». ثم يقول: «نقل مسائل مالك فيها: بالنص أو بالمعنى، ثم التفريع على قوله والقياس عليه في الاستدلال».

فهل كان المالكيةُ دقيقين في نقلهم لآراء إمامهم؟ أما رواية يحيى للموطأ، ورواية سحنون للمدونة المختلطة، فقط سبق الحديث عن الأخطاء التي وقعت فيهما. وأما عبد الملك بن حبيب القرطبي (صاحب يحيى الليثي) فهو مختلف في عدالته. كان ابن حزم يقول: «ليس بثقة». ويقول: «روايته ساقطة مطرحة». وقال الحافظ أبو بكر بن سيد الناس: «وبعضهم اتهمه بالكذب». وعليه بالأساس اعتمد تلميذه محمد العتبي في كتابه "المستخرجة العَتْبية". قال فيها ابن حزم (كما في بستان المحدثين ص12): «لها عند أهل العلم بإفريقيا القدر العالي والطيران الحثيث». فهذه مكانتها في إفريقيا في ذلك الوقت، فما بالك بمكانتها بالأندلس وقد اعتبرت هناك المصدر الرئيسي للمذهب المالكي؟ ومع ذلك يقول عنها محمد بن عبد الحكم: «رأيت جلّها مكذوباً ومسائل لا أصول لها، ولما قد أسقط وطرح، وشواذ من مسائل المجالس لم يوقف عليها أصحابها». انظر "ترتيب المدارك" (3

145)، و "الديباج المذهب" (2

177). وقال ابن الفرضي عن العتبي: «جمع المستخرجة، وأكثر فيها من الروايات المطروحة، والمسائل الشاذة». وقال ابن وضاح: «وفي "المستخرجة" خطأ كثير». وتعقب صاحب "نفح الطيب" (2

215) ذلك فقال: «كذا قال، ولكن الكتاب وقع عليه الاعتماد من أعلام المالكية كابن رشد وغيره». أقول: كون هذا الكتاب هو عمدة مالكية الأندلس وبعض مالكية إفريقيا لا يعني صحته بالضرورة.

واستمر تطور المذهب المالكي. فأخذ مالكية القيروان "المدونة المختلطة" فاختصروها. ثم جاء آخر فاختصر الاختصار. وهكذا حتى وصل الأمر إلى سبعة مراحل من الاختصار. وصار ذلك مخلا بالبلاغة وعسرا على الفهم، لما فيه من حشو القليل من الألفاظ، بالمعاني الكثيرة، مع حذف الأدلة على ندرتها. فما الجديد الذي جاء للأمة؟! وما الفائدة المرجوة من هذا الهدر؟ إلى أن تم تلخيص الفقه المالكي في كتيّب صغير اسمه مختصر خليل (ت767هـ). ولغة هذا المختصر معقدة غامضة صعبة الفهم. يقول قاضي المالكية ابن خلدون منتقداً هذا الاختصار المخل: «وهو فساد في التعليم. وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأن فيه تخليطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه وهو لم يستعد لقبولها بعد. وهو من سوء التعليم كما سيأتي. ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها. لأن ألفاظ المختصرات تجدها لأجل ذلك صعبة عويصة. فينقطع في فهمها حظ صالح عن الوقت. ثم بعد ذلك فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات –إذا تم على سداده ولم تعقبه آفة– فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة».

فقام المالكية بشرح مختصر خليل. ثم قام مالكي آخر فوضع تعليقاته على شرح مختصر خليل. ثم جاء آخر فوضع حاشية على التعليقات على شرح مختصر خليل. حتى وصلت الحواشي على الكتاب الواحد إلى سبعة حواشي! ما الجديد؟ جمود واجترار فكري وإضاعة للوقت والعمر. وأنت إذا نظرت في كتب المالكية المتأخرين، تعجّبتَ من قلة ذكرهم للأحاديث وأقوال الصحابة، مما جعل هذه الكتب جافة جامدة. ومن أشهر الكتب المعتمدة للفتوى عند المالكية اليوم هو شرح الزرقاني (لمختصر خليل) بحاشية الرهوني، وإن كان شرح الدردير بحاشية الدسوقي يستعمل أكثر للتدريس. قال الحجوي الثعالبي الفاسي: «المدونة فيها ثلاثة أسفار ضخام مفهومة بنفسها، لا تحتاج إلى شرح في الغالب. لكن خليل لا يمكننا أن نفهَمُه ونثِق بما فهِمناه منه، إلا بستة أسفار للخرشي وثمانية لزرقاني وثمانية للرهوني»! وهذا كلام يكتب بالذهب. فلو بذل طالب العلم المالكي جهده لإتقان المدونة (وهي الأصل الفقهي لعامة كتبهم) ذات الإسلوب السهل الفصيح، لكان أسهل له بكثير وأعظم فائدة من محاولة فك ألغاز المختصرات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير