كما أن صحة بيعه منوطة بالإذن له في البيع، فلا حكم إذا بالنسبة للصبي ولا يتعلق بفعله خطاب التكليف أصلا.
يقول المحلي: " ولا خطاب يتعلق بفعل البالغ العاقل، وولي الصبي والمجنون مخاطب بأداء ما وجب في مالهما منه كالزكاة وضمان التلف … "
وقولهم (بالاقتضاء أو التخيير): بيان لجهة التعلق، والاقتضاء معناه الطلب وهو إما طلب فعل أو طلب ترك، وطلب الفعل إن كان جازما فهو الإيجاب أو غير جازم فهو الندب،وطلب الترك إن كان جازما فهو التحريم وإلا فهو الكراهة.
والتخيير أي التخيير بين الفعل والترك و معناه الإباحة، وبهذا القيد – بالاقتضاء أو التخيير – تخرج الخطابات المتعلقة بأفعال المكلفين لكن لا على جهة الطلب أو التخيير، كالقصص المبينة لأحوال المكلفين وأفعالهم، والأخبار المتعلقة بأعمالهم، كقوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون)، وقوله: (وهم من بعد غلبهم سيغلبون).
وقوله: (أو الوضع) الوضع هو الجعل وهو قيد في التعريف لإدخال ما قد يخرج عن الحد بدونه من أفراد المحدود وهو أقسام خطاب الوضع من السببية والشرطية والمانعية ونحوها فإنها أحكام شرعية لم تستفد إلا من الشرع وليس فيها طلب ولا تخيير، فوجب ذكر هذا القيد ليصبح التعريف جامعا لأفراد المحدود وإلا كان غير جامع.
وقد ذكر الآمدي: بأن خطاب الشارع إما أن يكون متعلقا بالاقتضاء أو التخيير أو لا يكون، فإن تعلق بأحدهما فهو الحكم التكليفي وإن لم يتعلق بواحد منهما فهو الحكم الوضعي.
وعلى هذا فإن من لم يذكر هذا القيد من الأصولبيين في تعريف الحكم فلعله أراد تعريف نوع واحد من الحكم وهو الحكم التكليفي ولم يعرف مطلق الحكم الشرعي.
وأما من أغفله بناء على أن خطاب الوضع يرجع إلى كلمتي (الاقتضاء والتخيير) ضمنا كالبيضاوي ومن وافقه معللا ذلك بأنه لا معنى لموجبية الدلوك مثلا إلا طلب الفعل عنده، ولا معنى لمانعية الحيض إلا حرمة الصلاة معه، ولا معنى لصحة البيع إلا إباحة الانتفاع بالمبيع ونحو ذلك فهو بعيد.
لأن المفهوم من الحكم الوضعي هو تعلق شيء بشيء آخر وربطه به أي: ربط الشارع بين أمرين، كأن يربط مثلا بين الوراثة ووفاة شخص فتكون وفاته سببا لوراثة آخر وهكذا.
والمفهوم من الحكم التكليفي ليس هذا، فهما مفهومان متغايران ولزوم أحدهما للآخر في بعض الصور لا يدل على اتحادهما في جميع المواد بدليل أن الأحكام الوضعية قد تتناول فعل المكلف وغيره.
وقد رد الآسنوي على البيضاوي ومن تبعه الدعوى بأن خطاب التكليف يتضمن خطاب الوضع، وذكر أن الصواب ما سلكه ابن الحاجب من زيادة قيد آخر في الحد وهو الوضع فيقال: بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع ". واختاره صاحب التيسير من الحنفية وذكر أنه الأوجه، ثم قال: "ولا يلتفت إلى ما قيل من أنه لا يزاد أو وضعا لإدخاله فيه بدون هذه الزيادة.
وعلى كل حال فإن هذا الخلاف لا تظهر له ثمرة علمية سواء رجع خطاب الوضع إلى الاقتضاء أو التخيير ضمنا أو لم يرجع، بل لا بد له من زيادة قيد الوضع، فإنه يبقى خلافا لفظيا، لأن أحكام خطاب الوضع لا ينكرها أحد بل هي أحكام شرعية متعارف عليها، لأنها لم تعلم إلا بوضع الشارع تماما كالأحكام التكليفية، وعليه فالراجح أن يزاد قيد الوضع في التعريف ليشمل الحكم الوضعي صراحة لا ضمنا، ويسلم من الاعتراض.
المبحث الثاني: إطلاق الحكم الشرعي عند الفقهاء:
سبق أن عرفنا تعريف الحكم الشرعي عند الأصوليين وبقي علينا أن نعرف تعريفه عند الفقهاء، وهل بينهما خلاف أو لا؟
فنقول: أما تعريفه عند الفقهاء فهو: أثر خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا أو وضعا، وعبر عنه بعض الأصوليين بقوله:" الحكم مدلول خطاب الشارع ".
وواضح من تعريفهم هذا أنهم جعلوا أثر الخطاب ومدلوله هو الحكم ولم يعتبروا الخطاب نفسه حكما كما فعل جمهور الأصوليين.
ويتضح لنا هذا المعنى جليا بالمثالين التاليين:
فوجوب الصلاة وهو الحكم أثر لخطاب الشارع في نحو قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) وحرمة الزنى أثر ترتب على قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا)، فالوجوب والحرمة هو الحكم عند الفقهاء بينما عند جمهور الأصوليين فيعتبرون النص نفسه هو الحكم.
¥