والسبب بين اختلاف تعريف الفقهاء هنا والتعريف الأول للأصوليين هو أن علماء الأصول نظروا إليه من ناحية مصدره وهو الله فالحكم صفة له لذا قالوا: إن الحكم خطاب، والفقهاء نظروا إليه من ناحية متعلقة وهو فعل المكلف لذا قالوا إن الحكم مدلول الخطاب وأثره.
أثر الخلاف: ولما كان الخطاب وما ترتب عليه متلازمين لم يكن للاختلاف بين الفقهاء والأصوليين أثر عملي اللهم إلا في التسمية وذلك أمر هين، إذ أن المآل عند الجميع واحد كما ترى.
المبحث الثالث: في أقسام الحكم الشرعي:
سبق أن ذكرنا أن التعريف المختار للحكم الشرعي هو:" خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع "، ومما ينبغي ذكره هنا أنه قد وقع بين العلماء خلاف في تقسيم الحكم الشرعي، فمنهم من رأى أنه لا أقسام له وأنه واحد لا يتعدد بحيث أنه يشمل معنى الاقتضاء والتخيير، والحكم الوضعي راجع إلى ما يسمى بالحكم التكليفي فلا تقسيم إذا للحكم ومنهم من يرى أنه ينقسم إلى قسمين: تكليفي ووضعي وهذا هو الذي جرى عليه أكثر الأصوليين، وبعضهم كالآمدي في الأحكام قسم الحكم الشرعي إلى ثلاثة أقسام:
الأول: هو التكليفي أو الإقتضائي.والثاني: التخييري. والثالث: الوضعي. وهذا التقسيم هو الأدق والذي يقتضيه التعريف لكل منهما إلا أننا جرينا هنا على رأي أكثر الأصوليين من تقسيم الحكم الشرعي إلى حكم تكليفي ووضعي، تقليلا لأقسام الحكم بقدر الإمكان ولأن الذي جعلهما قسما واحدا، لم يدخل الوضع في أحكام التكليف إلا بتكلف، حيث جعل خطاب التكليف صريحا وخطاب الوضع ضمنيا، وقد تقدم توضيح ذلك.
والآن نشرع في بيان هذين القسمين وهما: الحكم التكليفي والحكم الوضعي.
1 - فأما الحكم التكليفي: يتبين لنا من تعريف الأصوليين السابق للحكم الشرعي بأن الحكم التكليفي: " هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالإقتضاء أو التخيير ".
وقد قسم جمهور الأصوليين الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام وهي: الإيجاب والندب والتحريم والكراهة والإباحة؛ وذلك لأن طلب الفعل إما أن يكون جازما أو غير جازم فإن كان الأول فهو الإيجاب، وإن كان الثاني فهو الندب، وطلب الكف إما جازم أو غير جازم فإن كان الأول فهو التحريم وإن كان الثاني فهو الكراهة وإن كان الخطاب متعلقا بالفعل على وجه التخيير فهو الإباحة، هذا وقد زاد الحنفية إلى هذه الأقسام قسمين آخرين وهما: الكراهة التحريمية والفرض. وأكتفي في هذا المقام بذكر تعريف ومثال واحد لكل قسم من هذه الأقسام.
1 - الواجب: وهو ما أمر به الشارع أمرا جازما.
ومثاله: قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فهذا أمر بالصلاة، والأمر يقتضي الوجوب لأنه خال عن القرينة الصارفة عن الوجوب.
2 - المندوب: وهو ما أمر به الشارع أمرا غير حتم.
مثاله: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) فإن الأمر بكتابة الدين صرف إلى الندب والإرشاد بقوله تعالى في الآية التي بعدها: (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا).
3 - الحرام: ما يذم شرعا فاعله
ومثاله: قال تعالى: (ولا تقربوا الزنى) فهنا نهي عن الزنى، والنهي يقتضي التحريم لأنه خال عن القرينة الصارفة عن الكراهة.
4 - المكروه: وهو ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله
مثاله: قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته "
1 - المباح: وهو مالا يتعلق بفعله وتركه مدح ولا ذم.
مثاله: قوله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء).
2 - وأما القسم الثاني: الحكم الوضعي وهو موضوع بحثنا فليس هذا محل الحديث عنه، وإنما سيأتي الحديث عنه مفصلا في الفصل القادم إن شاء الله، وذلك لأن كل ما سبق يعتبر مقدمة وتمهيدا بين يدي الموضوع لنتمكن من الدخول إلى موضوع البحث بكل سهولة ويسر.
ـ[صالح الخلف]ــــــــ[15 - 06 - 08, 01:25 ص]ـ
الفصل الأول الحكم الوضعي وأقسامه
مقدمة:
¥