ـ[صالح الخلف]ــــــــ[15 - 06 - 08, 01:30 ص]ـ
الفصل الثاني: في السبب والشرط والمانع
المبحث الأول: في السبب وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في تعريف السبب لغة واصطلاحا:
أ – السبب في اللغة:
عبارة عما يمكن التوصل به إلى مقصود ما، ومنه سمي الحبل سببا والطريق سببا لإمكان التوصل بهما إلى المقصود ولهذا يقول ابن منظور: " السبب كل شيء يتوصل به إلى غيره " وهو عند الإطلاق يرد على عدة معان من أهمها ما يأتي:
1 – يأتي بمعنى الطريق ومنه قوله تعالى: (فأتبع سببا) أي طريقا، فالطريق سبب للوصول إلى المكان المقصود بواسطة المشي أو على راحلة.
2 – يأتي بمعنى الباب ومنه قوله تعالى في قصة فرعون: (لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات والأرض) أي أبواب السماوات والأرض.
ومنه أيضا قول الشاعر:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو نال أسباب السماء بسلم
فإن الأسباب هنا بمعنى: الأبواب.
3 – يأتي بمعنى الحبل. ومنه قوله تعالى: (فليمدد بسبب إلى السماء) أي بحبل إلى السماء.
يقول الزمخشري: " انقطع السبب، أي: الحبل "
ويقول الفيروز آبادي: " السبب الحبل ".
4 – ويأتي بمعنى الشفيع.
ومنه قول الشاعر:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما نجح الأمور بتوه الأسباب
فا اليوم حاجتنا إليك وانما يرجى الطبيب لقوة الأوصاب
5 – يأتي بمعنى الحياة.
فقد ذكر الفيروز آبادي أنه يقال: " قطع الله به السبب: الحياة ".
وإنما سمي ذلك كله سببا لأنه يتوصل به إلى المقصود.
وخلاصة ما تقدم: أن السبب يطلق على كل ما يتوصل به إلى مقصود ما.
ب– تعريف السبب في الإصطلاح: أما معنى السبب عند علماء الأصول فقد وقع في تعريفه خلاف يرجع إلى القول بتأثيره وعدم تأثيره وإلى اشتراط مناسبة ظاهرة بينه وبين تشريع الحكم وعدم اشتراطها.
فقد عرفه الآمدي في كتابه الأحكام بقوله: (كل وصف ظاهر منضبط دلّ الدليل السمعي على كونه معرفا بحكم شرعي).
ولما كان الأصوليون يطلقون السبب على العلة حدّوه بحدّها فقالوا: (ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته)
شرح التعريفين:
التعريف الأول:
قوله (ظاهر): احترز عن الوصف الخفي الذي لا يمكن للمكلف الإطلاع عليه كعلوق النطفة بالرحم فانه سبب خفي لا يعلق عليه وجوب العدة، وإنما يعلق على وصف ظاهر وهو الطلاق مثلا.
وقوله (بالمنضبط) عن السبب المتخلف الذي لا يوجد دائما كالمشقة فإنها تتخلف ولذا علق سبب القصر على السفر دون المشقة.
وقوله (دلّ الدليل السمعي على كونه معرفا للحكم) الدليل السمعي من الكتاب والسنة فمثاله من الكتاب " أقم الصلاة لدلوك الشمس " حيث دلّ هذا الدليل على أن الزوال إمارة لوجوب الصلاة. ومثاله من السنة: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " حيث دلّ الدليل على أن رؤية هلال رمضان إمارة لوجوب الصوم.
أما شرح التعريف الثاني فهو كما يلي:
فقولنا (ما يلزم من وجوده الوجود) احتراز من الشرط، فالشرط لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.
وقولنا (ومن عدمه العدم) احتراز من المانع، فإن عدم المانع لا يلزم منه شيء. كما تقول: الدّين مانع من الزكاة فإذا لم يكن عليه دين لا يلزم أن تجب عليه الزكاة لاحتمال فقره مع عدم الدّين.
وقولنا (لذاته) هذا احتراز من مقارنة السبب بفقدان الشرط ووجود المانع.
مثال مقارنة السبب فقدان الشرط:ملك النصاب مع عدم حولان الحول، فإن السبب الذي هو ملك النصاب لم يلزم من وجوده الوجود ولا لذاته بل لفقدان الشرط وهو حولان الحول.
ومثال مقارنة السبب المانع: كمن يملك نصابا وعليه دين مستغرق لهذا النصاب على القول المرجوح بأن الدين المستغرق مانع من الزكاة ففي الصورة لا يلزم من وجود السبب وجود الحكم.
ويلاحظ من هذين التعريفين: أننا نجدهما يهدفان إلى معنى واحد وهو كون السبب اسما عاما شاملا لما كان فيه مناسبة ظاهرة وما لم يكن كذلك، فالوصف الظاهر المنضبط في تعريف الآمدي، يمكن أن يكون مناسبا كما في الإسكار الذي هو سبب لتحريم الخمر، ويمكن أن يكون غير مناسب كما في جعل دلوك الشمس سببا في وجوب الصلاة.
¥