وما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم في تعريف القرافي: يتخرج على هذا المعنى، حيث يشمل ما كان بينه وبين الحكم مناسبة ظاهرة وما ليس كذلك فهو كتعريف الآمدي في المعنى، فالزوال مثلا سبب يلزم من وجوده وجود الصلاة، ومن عدمه عدمها لذاته، والنصاب سبب يلزم من وجوده وجود الزكاة، ومن عدمه عدمها وهكذا وعلى هذا فإن السبب هو الأمر الذي جعل الشارع وجوده علامة على وجود الحكم وانتفاؤه علامة على انتفائه سواء كان مناسبا لتشريع الحكم مناسبة ظاهرة أو لم يكن كذلك إلا أنه إن كان مناسبا للحكم مناسبة ظاهرة سمي علة وسببا وإن لم يكن مناسبا له مناسبة ظاهرة سمي سببا فقط ولا يسمى علة خلافا للجلال المحلي الذي صرح بعدم اشتراط المناسبة في العلة.
ج) وأما تعريف السبب عند الحنفية:
فقد عرفوه بعدة تعريفات من أهمها ما يلي:
1 - تعريف الإمام الشاشي: " السبب ما يكون طريقا إلى الشيء بواسطة "
2 - وعرفه البزدوي بقوله: "هو ما يكون طريقا إلى الحكم من غير أن يضاف إليه وجوب ولا وجود ولا يعقل فيه معاني العلل ".
شرح تعريف الإمام البزدوي:
فقوله: " ما يكون طريقا إلى الحكم " أي ما يفضي إليه وهو بمنزلة الجنس فيدخل تحته السبب والعلة والشرط وغيرها مما يكون طريقا إلى الحكم.
واحترز بقوله " من غير أن يضاف إليه وجوب " عن العلة إذ هي ليست كذلك لأنه يضاف إليها وجوب الحكم.
وقوله " ولا وجود " احترز عن الشرط فإن وجود الحكم يضاف إلى الشرط ثبوتا عنده.
وقوله " ولا يعقل فيه معاني العلل " أي لا يوجد له تأثير في الحكم بوجه بواسطة أو بغير واسطة وهذا القيد لا بد منه عند الحنفية للتفريق بين السبب وبين العلة بفارق التأثير كما سيأتي.
ويلاحظ من هذه التعريفات عند الحنفية: أن السبب عندهم مجرد طريق الوصول إلى الحكم من غير إضافة ولا تأثير أي أنه لا يضاف إليه الحكم ابتداء، وإنما يضاف إلى الواسطة التي تتخلل بينه وبين الحكم وتلك الواسطة هي المعبر عنها (بالعلة) كما ذكر ذلك الشاشي حيث قال: " كل ما كان طريقا إلى الحكم بواسطة يسمى سببا له شرعا وتسمى الواسطة علة ". وتبعه في ذلك البزدوي، وقد صرحوا أيضا بخلو السبب من التأثير والملاءمة وأنه لا يعقل فيه معاني العلل وهذا بعكس العلة عندهم فإنه لا بد فيها من المناسبة والتأثير ولذلك قال صاحب التوضيح: " إن ما يترتب عليه الحكم إن كان شيئا لا يدرك العقل تأثيره كالوقت للصلاة يخص باسم السبب وإن أدرك العقل تأثيره يخص باسم العلة ".
وبعد هذا العرض لأهم تعريفات السبب عند جمهور الأصوليين والحنفية نخلص إلى المقارنة بين السبب والعلة في المطلب القادم.
المطلب الثاني: في الفرق بين السبب والعلة:
كما ذكرنا سابقا بأن جمهور الأصوليين يطلقون السبب على العلة إن كانت هناك مناسبة ظاهرة للحكم وإن لم يكن هناك مناسبة ظاهرة سمي سبب فقط ولا يسمى علة، فالسبب عندهم أعم في مدلوله من العلة لشموله الوصف المناسب وغير المناسب وهما مع ذلك يتفقان في أن كلا منهما أمارة وعلامة على وجود الفعل وكلا منهما ينبني عليه الحكم ويرتبط به وجودا وعدما؛.بينما الحال هذا يختلف عند الحنفية فإنهم يفرقون بين السبب والعلة كما سبق بيان ذلك وفي هذا المطلب نذكر أوجه الإختلاف بينهما بشيء من الاختصار وقبل ذلك نعرّف العلة حتى نفهم معناها ثم ندرك اختلافها مع السبب.
العلة: هي: ما يضاف إليه وجوب الحكم – أي ثبوته – ابتداء.
والفرق بين العلة والسبب: أن الحكم يثبت بالعلة بلا واسطة، في حين لا يثبت الحكم بالسبب إلا بواسطة ولذا احترز عن السبب في التعريف بكلمة (ابتداء)، ومن أمثلته قول القائل:
أنت طالق، فإنه يستعقب الطلاق من غير توقف على شرط فسمي علة، أما لو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق، سمي سببا لتوقف الحكم على واسطة وهي دخول الدار.
كما يفترقان في أن السبب قد يتأخر عنه حكمه وقد يتخلف عنه، ولا يتصور التأخر والتخلف في العلة.
المطلب الثالث: في أقسام السبب:
وينقسم السبب إلى عدة أقسام باعتبارات مختلفة من أهمها:
الأول: من ناحية قدرة المكلف على فعله فإنه ينقسم إلى قسمين:
¥