تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثبت أن الصحة والفساد من الأحكام الشرعية وهما ليسا داخلين في الاقتضاء أو التخيير لا صراحة ولا ضمنا، فهما إذا من خطاب الوضع.

المبحث الثالث: في الفساد والبطلان:

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: في تعريف الفساد والبطلان لغة واصطلاحا:

I) أما الفساد في اللغة: فقد تقدم تعريفه عند تعريف الصحة في اللغة. وأما البطلان فهو في اللغة سقوط الشيء لفساده فيقال بطل الشيء إذا فسد وسقط حكمه وتأتي بمعنى تعطل، يقال: بطل الأجير أي تعطل، والباطل ضد الحق والجمع: أباطيل.

II) أما تعريف البطلان في الإصطلاح عند الجمهور فهو كتعريف الفساد سواء بسواء لأنه مرادف له فكل فاسد باطل وبالعكس، فهما عبارتان عن معنى واحد في الشرع وهو ما يقابل الصحيح خلافا للحنفية كما سيأتي.

وقد سبق أن الفساد في الإصطلاح هو نقيض الصحة بكل اعتبار من اعتباراتها فيكون البطلان كذلك فإذا كانت الصحة هي موافقة الأمر فالبطلان مخالفته، وعليه فالبطلان في العبادات هو مخالفة أمر الشارع أو عدم سقوط القضاء بالفعل، وفي عقود المعاملات هو تخلف الأحكام عنها وخروجها عن كونها أسبابا مفيدة للأحكام.

المطلب الثاني: في الفرق بين الفساد والبطلان عند الحنفية خلافا للجمهور:

الجمهور لا فرق عندهم بين الفساد والبطلان، فكل عقد أو فعل سواء أكان معاملة أم عبادة لم تترتب عليه ثمرته المطلوبه منه شرعا فهو فاسد، ويطلق عليه أيضا أنه باطل، وسواء أكان بطلانه لكونه فقد ركنا أم لكونه فقد شرطا، فالبيع الفاسد كالبيع الباطل لا يفيد نقل الملك ولا الإنتفاع بالعوضين، والنكاح الفاسد كالنكاح الباطل لا يفيد حلية التمتع بالمنكوحة وهكذا بقية العقود يستوي فيها التعبير بالفساد والبطلان.

ثم إن الحنفية يوافقون الجمهور بأن الفساد هو البطلان في العبادات فالعبادة الفاسدة عندهم هي الباطلة وهي ما فات منها شرط أو ركن وهكذا عند غيرهم، أما المعاملات، فالحنفية يخالفون الجمهور في التسوية فيهما ويقولون، أن الفاسد من المعاملات ما شرع بأصله ولم يشرع بوصفه: كبيع الدرهم بالدرهمين، فبيع الدرهم مناجزة مشروع بأصله بدون زيادة، أما إذا كانت فيه زيادة فيكون ممنوعا من أجل وصفه وهو الزيادة في أحد العوضين من جنس واحد وهو عين الربا المحرم، أما الباطل عندهم فهو: ما لم يشرع بأصله ولا بوصفه كبيع الخنزير بالخمر أو الميتة، والفرق عندهم بين الفاسد والباطل، بأن الفاسد إذا زال عنه الوصف كزيادة الدرهم في صورة بيع الدرهم بالدرهمين صح البيع ولم يحتج إلى عقد بيع جديد، إلا أنه يأثم صاحبه وأن المشتري يملك المبيع في البيع الفاسد دون الباطل فلا يعتد به أصلا ولا يفيد ملكا.

وقد رد الجمهور على هذه التفرقة بين الباطل والفاسد بأن كل ممنوع بوصفه فهو ممنوع بأصله، لأن الوصف وهو الزيادة منصوص على النهي عنها لقوله – صلى الله عليه وسلم -: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة، مثلا بمثل يدا بيد …. فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء "

المطلب الثالث: في منشأ الخلاف بين الحنفية والجمهور في التفرقة بين الفاسد والباطل:

ومنشأ الخلاف بين الحنفية والجمهور في التفرقة بين الفاسد والباطل في المعاملات يرجع إلى ما يقتضيه النهي حين يتوجه إلى وصف من الأوصاف الملازمة للعمل، وليست من أركانه أو شروطه، ويرى الخضري أن منشأ الخلاف هو أن المعاملات بحكم كونها راجعة في الغالب إلى مصالح الدنيا لها نظران:

الأول: من حيث هي أمور مأذون فيها شرعا أو مأمور بها شرعا.

الثاني: من حيث هي أسباب لمصالح بنيت عليها فمن نظر إليها من الجهة الأولى لم يفرق فيها بين البطلان والفساد إذ أن مخالفة أمر الشارع مخالفة لقصده بإطلاق، كالعبادات المحضة، ومخالفة أمر الشارع تقضي بأنه غير مشروع وغير المشروع باطل، ومن نظر إليها من الجهة الثانية فرق بين ما كان المعنى الذي لأجله كان العمل مخالفا للأمر مؤثرا في أصل العقد كبيع المجنون وزواج المسلمة بغير المسلم، أو غير مؤثر في أصل العقد وإنما يؤثر في صفة له يمكن تلافيها كالبيع لأجل مجهول أو بثمن مجهول، فإذا كان الأول فهو باطل، وأن كان الثاني فهو فاسد.

وقد اشتد النزاع بين الحنفية وغيرهم في هذه القضية حتى أدى إلى أن تتضمن العبارات بينهم شيئا من القسوة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير