ـ[صالح الخلف]ــــــــ[15 - 06 - 08, 11:43 ص]ـ
الفصل الرابع:في العزيمة والرخصة
المبحث الأول في العزيمة وفيه مطلبين:
المطلب الأول:في تعريف العزيمة لغة واصطلاحا:
أ - العزيمة في اللغة:تأتي على عدّة معان من أهمها ما يلي:
1 - الإجتهاد والجد في الأمر … وهي مصدر عزم على الشيء وعزمه عزما: عقد ضميره على فعله، وعزم عزيمة وعزمة: أي اجتهد وجدّ في أمره. وعزيمة الله: فريضته التي افترضها والجمع عزائم، وألو العزم من الرسل الذين عزموا على أمر الله فيما عهد إليهم، وسموا بذلك؛ لتأكد قصدهم في طلب الحق.
2 - يأتي بمعنى الصبر والمواظبة على إلتزام الأمر كما فسره ابن عباس – رضي الله عنهما – عند قوله تعالى: (ولم نجد له عزما).
3 - يأتي بمعنى الصريمة والقطع، فيقال في تفسير الآية السابقة: لم نجد له صريمة ولا حزما فيما فعل، والصريمة والعزيمة واحدة وهي الحاجة التي قد عزمت على فعلها.
وتأتي بمعاني أخرى كالرقى التي يعزم بها على الجن والأرواح، وتأتي بمعنى القسم، فيقال عزمت عليك لما فعلت كذا: أي أقسمت عليك.
ب- أما العزيمة في الإصطلاح:
لقد اختلفت عبارات الأصوليين قديما وحديثا في تعريفها إلا أن المتأمل يجد أنه لا يختلفون في معناها ما عدا أمرا واحدا وهو شمولها Hأن للأحكام التكليفية الخمسة (الواجب، المحرم، المندوب، المكروه، المباح) أو اقتصارها على الواجب والمحرم فقط دون الثلاثة الباقية أو شمولها للجميع ما عدا المحرم …
وقد شكل خلافهم هذا اتجاهين رئيسيين وسيتبين لنا هذا المعنى من خلال ما سنذكره لبعض تعريفاتها عند كل من الشافعية والحنفية وذلك كما يلي:
الإتجاه الأول: يرى فيه أصحابه أن العزيمة تشمل الأحكام الخمسة. وأصحاب هذا الإتجاه غالب الحنفية كالإمام فخر الإسلام البزدوي وشمس الأئمة السرخسي والنسفي وبعض الحنابلة: كالفتوحي في شرح الكوكب ومن الشافعية القاضي البيضاوي في منهاجه.
وإليك طائفة من تعريفاتهم:
يرى "البزدوي والسرخسي ": (أن العزيمة في أحكام الشرع ما هو مشروع منها ابتداء من غير أن يكون متصلا بعارض) أما النسفي فيقول: (العزيمة اسم لما هو أصل منها المشروعات غير متعلق بالعوارض) وهو نفس تعريف البزدوي ويقول الفتوحي: (إنها حكم ثابت بدليل شرعي خال عن معارض راجح فشمل الأحكام الخمسة).
ويلاحظ على هذه التعريفات من أن النص على أنهما ما كان مشروعا أو ما ثبت بدليل شرعي يخرج ما كان ثابتا بدليل عقلي فليس من العزيمة، وما ورد فيه من التنصيص على كون (الحكم شرع ابتداء) (وغير متصل بالمعارض) و (خال عن معارض) يخرج ما لم تكن شرعيته ابتداء بل جاء ثانيا لاتصاله بعارض وهو ما يسمى بالرخصة وواضح من الإطلاق في التعريفين الأوليين والتنصيص في تعريف ابن النجار الفتوحي على شمول العزيمة للأحكام التكليفية الخمسة.
الإتجاه الثاني:
ويرى أصحابه أن العزيمة الإيجاب والتحريم فقط كالإمام الغزالي في المستصفى حيث يقول: " والعزيمة في لسان حملة الشرع عبارة عما لزم بايجاب الله تعالى "، والآمدي في الأحكام حيث يقول: " وأما في الشرع فعبارة عما لزم العباد بإلزام الله تعالى كالعبادات الخمس ونحوها ". وبمثل ذلك عرفها ابن الحاجب.
ومعنى ذلك: أن العزيمة هي الحكم الشرعي الذي ألزم به العباد بإلزام الله تعالى لهم، فتختص حينئذ بالواجبات الشرعية دون غيرها عند هؤلاء، لذكرهم اللزوم والإيجاب في التعريف إلا أن يراد بكلمة (لزم العباد) الفعل والترك فتشمل أيضا الحرام ويكون المعنى ما لزم العباد من فعل أو ترك بإيجاب الله تعالى أي: بطلب حتمي منه، وقد احترزوا بقولهم: (بإيجاب الله) عن النذر فإنه يكون لازما ولكن لزومه ليس بإيجاب الله تعالى وإنما بإلزام العبد نفسه بذلك.
وقد اعترض الزركشي على هذا التعريف: بأنه غير جامع لكونه مختصا بالواجب دون غيره وذكر أن الأمر ليس كذلك لأن العزيمة تذكر في مقابلة الرخصة والرخصة تكون في الواجب وغيره فكذلك ما يقابلها.
تقويم هذين الإتجاهين:
وأنقل هنا تقويم الأستاذ الدكثور عبدالعزيز الربيعه لهذين الإتجاهين حيث قال:
¥