تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" أما الأول فقد أخذ برخصة الله تعالى، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له ".

ومن أمثلة ذلك أيضا: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا خاف الشخص القتل، فله مراعاة حق نفسه وكذلك ينطبق على ترك الصلاة والصوم المفروض عينا وأكل مال الغير كل ذلك يجوز تركه عند الخوف من القتل أو القطع بالإكراه.

الثاني: ما أباحه الشرع مع قيام السبب المحرم وتراخي الحرمة:كالإفطار في رمضان بالنسبة للمسافر، فإن السبب المحرم للإفطار – وهو شهود الشهر – قائم لكن وجوب الصوم أو حرمة الإفطار غير قائمة على الفور بل ثابتة على التراخي بنص القرآن الكريم. قال تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر).

والعمل بالعزيمة في هذا القسم أيضا أولى من العمل بالرخصة عند الحنفية، أي الصوم أولى من الإفطار عندهم.

أولا: لأن السبب الموجب – وهو شهود الشهر – كان قائما، وتراخي الحكم بالأجل غير مانع من التعجيل، مثلما هو الأمر في الدين المؤجل، فكان المؤدي للصوم في هذه الحالة عاملا لله تعالى في أداء الفرض، والمترخص بالفطر عاملا لنفسه فيما يرجع إلى الترفيه، فقدم حق الله وهو أحق بالتقديم.

ثانيا: لأن في الأخذ بالعزيمة نوع يسر بناء على أن الصوم مع المسلمين في شهر الصيام أيسر من التفرد به بعد مضي الشهر إلا إذا أدى السفر لضعف الصائم فيكون الأخذ بالرخصة أولى. فإن صبر حتى مات كان آثما بلا خلاف. وقد رجح الشافعي الأخذ بالرخصة في هذا المثال، والجميع متفقون على أن من أفطر ثم مات قبل إدراك عدة من أيام أخر لا شيء عليه كما لو مات قبل رمضان. وجمهور الفقهاء يرون أن من أخذ بالعزيمة فصام في السفر وقع صيامه في الفرض ولا قضاء عليه.

والقسم الثاني: وهو الرخصة المجازية وتسمى أيضا في اصطلاحهم: رخص الإسقاط كما بينا سابقا، وهي التي لا يكون حكم العزيمة معها باقيا كإباحة أكل الميتة أو شرب الخمر عند الجوع الشديد أو الظمأ الشديد، فإن حرمة الأكل أو الشرب سقطت حال الإضطرار. وهذا القسم ينقسم إلى قسمين:

الأول: وهو أتم في المجازية وهو: ما وضع عن هذه الأمة الإسلامية رحمة بها وإكراما لنبيها – صلى الله عليه وسلم – من الإصر والأغلال التي كانت مفروضة على الأمم السابقة مثل:

- قتل النفس لصحة التوبة.

- قرض موضع النجاسة من الجلد والثوب.

- وأداء الربع في الزكاة، إلى غير ذلك.

الثاني: وهو أقرب إلى الحقيقة من النوع الأول وهو:ما سقط عن العباد مع كونه مشروعا في الجملة فمن حيث إنه سقط كان مجازا، ومن حيث إنه مشروع في الجملة كان شبيها بالرخص الحقيقية، كالسلم وما قاربه من العقود التي أبيحت للحاجة إليها، وهي مستثناة من أصول ممنوعة، فمن حيث استثنائها مما ذكر سقط المنع منها فشابهت ما وضع عنا من الأغلال التي كانت على الأمم السابقة، فكانت رخصا مجازية من هذه الناحية إذ ليس في مقابلتها عزائم، ومن حيث إن أصولها مشروعة وأن بعض الشروط التي تجاوز عنها الشرع من أجل التخفيف والمصلحة مازالت قائمة في تلك الأصول أشبهت الرخص الحقيقية، وبناء على ذلك اعتبر هذا القسم أقرب إلى الرخص الحقيقية من سابقه، واعتبر السابق أتم في المجازية من هذا. وهذا القسم يرادف الرخص المباحة في تقسيم الشافعية والحنابلة. والأقسام الأربعة – الحاصلة بعد تقسيم كل من القسمين الرئيسيين إلى قسمين فرعيين – لا تبعد كثيرا عن الإطلاقات الأربعة التي ذكرها الشاطبي.

المطلب الثالث:في حكم الرخصة:

يذكر الإمام الشاطبي حكم الرخصة بقوله:" وحكم الرخصة الإباحة مطلقا من حيث هي رخصة … وأما وجوب تناول المحرمات في حال الإضطرار فيرجع إلى عزيمة أخرى هي المحافظة على الحياة كما دل قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقوله سبحانه: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) ".

واستدل الشاطبي – رحمه الله – بأدلة كثيرة لتأييد رأيه أفاض فيها في الجزء الأول فلتراجع هناك.

المطلب الرابع: مسائل تتعلق بالرخص:

1 - آراء العلماء في تتبع الرخص:

الرخص الشرعية الثابتة في الكتاب أو السنة لا بأس في تتبعها لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير