تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما تتبع رخص المذاهب الإجتهادية والجري وراءها دون سبب من الأسباب يعتبر هروبا من التكاليف، وتخلصا من المسؤولية وهدما لعزائم الأوامر والنواهي، وجحودا بحق الله في العبادة، وهضما لحقوق عباده، وهو يتعارض مع مقصد الشرع الحكيم من الحث على التخفيف عموما وعلى الترخص بصفة خاصة (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). "إن الله يحب أن تؤتى رخصه " وقد اعتبر العلماء هذا العمل فسقا لا يحل.وحكى ابن حزم الإجماع عليه. وقال نقلا عن غيره: "لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ".

وقال الإمام أحمد: " لو أن رجلا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في المتعة كان فاسقا ".

وقد دخل القاضي إسماعيل –يوما – على المعتضد العباسي فرفع إليه الخليفة كتابا وطلب منه أن ينظر فيه وقد جمع فيه صاحبه الرخص من زلل العلماء فقال له القاضي المذكور – بعد أن تأمله -: مصنف هذا زنديق، فقال: ألم تصح هذه الأحاديث؟ قال: بلى، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب.

فالأخذ بالرخص لا يعني تتبعها والبحث عنها للتحلل من التكليف وإنما يعنى الإنتقال من تكليف أشد إلى تكليف أخف لسبب شرعي.

2 - الأخذ بالرخص أو العزائم:

قد يرفع الشرع عن المكلف الحرج في الأخذ بالعزيمة أو في الأخذ بالرخصة، أي أنه يكون مخيرا في بعض الحالات بين الإتيان بهذه أو بتلك لأن ما بينهما صار بمثابة ما بين أجزاء الواجب المخير الذي يكتفي فيه بالإتيان بأي نوع من أنواعه، ولكن مع ذلك كان للترجيح بينهما مجال رحب غزير المادة تباينت فيه أنظار المجتهدين حيث اختلفوا بين مرجح للأخذ بالعزيمة – في هذه الحالة – وبين مرجح للأخذ بالرخصة فيها، وكل من الفريقين قد علل رأيه مجموعة من المبررات المعقولة تكفل الشاطبي بعدها عدا واضحا مرتبا.

المبحث الثالث: في إثبات أن الرخصة والعزيمة من أقسام الحكم الوضعي:

سبق في مطلع بحث أقسام الحكم الوضعي أن قلنا أن العلماء اختلفوا اختلافا كثيرا في أنواع هذا الحكم كما اختلفوا فيما لم يتفقوا على كونه من الحكم الوضعي في أي أنواع الحكم يدخل، ومن هذه الحالة التي حظيت بنصيب من الخلاف العزيمة والرخصة.

فالجمهور يرونها أنهما من أقسام الحكم التكليفي.

وذهب الغزالي والآمدي والشاطبي على أنهما من أنواع الحكم الوضعي.

- وقد استدل من قال بأنهما من أنواع الحكم التكليفي بأنهما لا يخرجان عما عرفناه من أنواعه، وبيان ذلك: أن العزيمة اسم لما طلبه الشارع أو أباحه على وجه العموم والرخصة اسم لما أباحه الشارع للضرورة أو الحاجة ولا شك أن الطلب والإباحة من الحكم التكليفي لا الوضعي.

- واستدل من قال على أنهما من أنواع الحكم الوضعي بأن العزيمة راجعة إلى جعل الشارع الحالة العادية سببا لاستمرار الأحكام الأصلية العامة والرخصة راجعة إلى جعل الشارع الأحوال الطارئة سببا للتخفيف عن العباد والسبب من الأحكام الوضعية لا التكليفية.

- يقول الدكتور عبدالعزيز الربيعة بعد أن أورد أدلة كل فريق: " فليس البحث في الرخصة والعزيمة منصبا على ما تحملانه من أحكام تكليفية إذ أن ذلك لا حاجة إليه حيث لا خصوصية لأحكام الرخصة وإنما البحث منصب على الأساب التي أدت إلى استمرار الأحكام الأصلية العامة أو أدت إلى التخفيف بإباحة الفعل الذي كان ممنوعا ونفي صفة الجريمة والمعصية عنه أو بعدم التكليف بهذا الفعل ولا شك أن النظر إليهما بهذا الإعتبار يجعلهما من الأحكام الوضعية لا التكليفية حيث لا طلب فيهما ولا تخيير بل فيهما وضع وجعل.

والباحث حين يتأمل أدلة المختلفين يجدها صحيحة ذلك أن كلا منهما نظر إلى القضية من جهة غير الجهة التي نظر إليها مخالفوه وهو نظر صحيح، ثم إن هذا الخلاف وإن كان مبنيا على وجهات نظر صحيحة فإنه خلاف لا يترتب عليه تغيير في مفهوم العزيمة والرخصة كما لا يترتب عليه ثمرة ".

ـ[صالح الخلف]ــــــــ[15 - 06 - 08, 11:53 ص]ـ

الفصل الخامس: في الأداء والإعادة والقضاء:

مقدمة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير