والتعريف المختار من هذه التعاريف هو تعريف ابن الحاجب وإليك شرح التعريف:
قوله في التعريف (ما فعل في وقت الأداء ثانيا): قيد يخرج به الأداء فإنه يفعل أولا، والقضاء فإنه إنما يفعل بعد خروج الوقت.
وقوله (لخلل في الأول) يخرج به ما ليس كذلك كالمنفرد إذا صلى ثانية مع الجماعة فإن صلاته الأولى ليس فيها خلل فلا توصف الثانية بالإعادة شرعا بل هي أداء كالأولى. وسواء كان الخلل في الوصف كمن صلى بدون شرط بأن لم يكن على الطهارة مثلا أو كان الخلل في الماهية كمن صلى بدون ركن بأن ترك القيام أو الركوع أو نحوهما مع القدرة على ذلك، أو كان الخلل في الكمال كمن صلى منفردا فيعيدها جماعة في الوقت لطلب الفضيلة، وعند الحنفية لا تكون إعادة إذا كان الخلل مفسدا بأن كان لفقد ركن أو شرط بل تعتبر الثانية هي الأولى وما سبق لغو لا عبرة به.
وقد اعتبر بعض العلماء الإعادة نوعا من الأداء كما ذكر ذلك العضد في شرحه على مختصر ابن الحاجب حيث قال: " لأن الإعادة قسم الأداء، وإن وضعت في بعض عبارات المتأخرين خلافه " لكن الذي يظهر – والله أعلم _ أن الإعادة ما دامت في الوقت فهي قسم من أقسام الأداء وإذا خرجت عن الوقت فهي قسم من أقسام القضاء.
ثم إن الأداء – في الحقيقة – اسم لما يقع في الوقت مطلقا سواء كان سابقا أو كان مسبوقا أو منفردا، فإن سبق بأداء مختل سمي إعادة وعليه فكل إعادة أداء ولا عكس، حيث يكون بينهما عموم وخصوص من وجه فينفرد الأداء في الفعل الأول وتنفرد الإعادة بما إذا قضى صلاة وأفسدها ثم أعادها ويجتمعان في الصلاة الثانية في الوقت.
المبحث الثالث: في القضاء
المطلب الأول: في تعريفه لغة واصطلاحا:
أ) أما في اللغة: يطلق على معان كثيرة من أهمها:
1 - الحكم والفصل: يقال قضى يقضي قضاء فهو قاضي إذا حكم وفصل.
2 - يطلق على الخلق والصنع: كقوله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات في يومين) أي فخلقهن وصنعهن فأحكم خلقهن.
3 - ويأتي بمعنى الأداء: يقال: قضيت ديني أي: أديته ومنه قوله تعالى: (فإذا قضيتم الصلاة) أي أديتموها.
ب) وأما في الإصطلاح: فقد عرفها جمهور الأصوليين بما يلي:
1 - عرفه ابن الحاجب المالكي بقوله: " ما فعل بعد وقت الأداء استدراكا لما سبق له وجوب مطلقا " وذكر له تعريفا ثانيا بقوله: " ما فعل بعد وقت الأداء استدراكا لما سبق وجوبه على المستدرك ".
2 - عرفه محب الله بن عبد الشكور بقوله: " والقضاء فعله بعده استدراكا لما فات عمدا أو سهوا تمكن من فعله كالمسافر أو لم يتمكن لمانع شرعا كالحيض أو عقلا كالنوم ".
3 - وعرفه ابن قدامة بقوله: " فعله بعد خرج وقته المعين شرعا ".
4 - وعرفه الحنفية بأنه: إسقاط الواجب بمثل من عند المأمور هو حقه.
والتعريف المختار هو تعريف ابن الحاجب الأول، وشرحه ما يلي:
فقوله (مافعل بعد وقت الأداء) يخرج به الأداء والإعادة فإن كلا منهما فعلا في وقت الأداء.
وقوله (استدراكا) يخرج به ما ليس كذلك كالصلاة مثلا إذا أداها في وقتها ثم أداها بعد الوقت لإقامة جماعة فإن فعله الثاني لا يكون قضاء.
وقوله (لما سبق وجوبه) يخرج به النوافل إذا فعلت بعد وقتها فإن فعلها لا يسمى قضاء إلا بطريق التجوز لأنه لم يسبق لها وجوب.
وقوله (مطلقا) قيد للوجوب وهو تنبيه على أنه لا يشترط الوجوب عليه بل يكفي أن يتقدم سبب الوجوب فيكون الواجب ثابتا عليه في الجملة كما في صوم الحائض والمسافر، فإن صومهما بعد رمضان يكون قضاء لما سبق له وجوب عليهما في الجملة إذ هما ممن شهد الشهر.
ويلاحظ على هذه التعريفات أمور منها:
1 - أن الجميع متفقون على أن وجوب الفعل إذا تقرر ولم يفعل في وقته المقدر له شرعا وفعل بعده أنه يكون قضاء حقيقة سواء فات بعذر أو بغير عذر ولكنهم اختلفوا فيمن انعقد سبب وجوبه وتأخر وجوب أدائه لمانع " كالحيض مانع من الصلاة "، فقال بعضهم إنه يسمى قضاء بطريق المجاز وهو فرض مبتدأ لأن القضاء الحقيقي مبني على وجوب الأداء وهو ساقط مع وجود المانع بالإتفاق وقال الجمهور إنه يسمى قضاء حقيقة بناء على أن المعتبر في القضاء هو سبق الوجوب في الجملة لا سبق وجوب الأداء على ذلك الشخص نفسه.
¥