[محمد بن أبي شنب .. يقاوم بلغة المحتل]
ـ[أبو أمينة]ــــــــ[18 - 07 - 08, 02:59 م]ـ
من أعلام الجزائر
[محمد بن أبي شنب .. يقاوم بلغة المحتل]
(في ذكرى مولده: 10 من رجب 1286هـ)
أحمد تمام
وقعت الجزائر في قبضة الاحتلال الفرنسي سنة (1246هـ -1830م) بعد أن ظلت هدفًا للقوى الغربية عدة قرون، ولولا جهود الدولة العثمانية في حمايتها والدفاع عنها لسقطت قبل ذلك التاريخ بسنوات طويلة.
ولم يكن المحتل الفرنسي يهدف إلى السيطرة على البلاد ونهب ثرواتها والتسلط على أهلها فحسب مثلما يفعل غيره، بل كان يرمي -إضافة لذلك- إلى اقتلاع التاريخ وطمس الهوية والقضاء على الشخصية ومحاربة الدين واستبدال لغته باللغة العربية وثقافته بثقافتها.
واستخدم في تحقيق ذلك كل ما يملك من وسائل وإمكانات، منذ أن وطئت أقدامه أرض الجزائر؛ فاستولى على معظم معاهد التعليم الجزائرية وحولها إلى ثكنات عسكرية أو معاهد فرنسية أو مراكز تبشيرية لنشر المسيحية بين أهالي البلاد المسلمين، ثم استولى على الأوقاف التي كانت تنفق على هذه المؤسسات التعليمية حتى يقضي عليها تماما، وقام بفرنسة جميع مراحل التعليم حتى يبعد اللغة العربية عن معاهد العلم، وبفرنسة الإدارة حتى تصبغ الحياة الجزائرية بطابعها الفرنسي.
ولكي يقطع المستعمر صلة الجزائر بتاريخها العربي الإسلامي عمد إلى تشويه التاريخ الجزائري فحرم الجزائريين من دراسة تاريخهم دراسة سليمة ووافية في الوقت الذي كانوا يدرسون فيه التاريخ الفرنسي كاملا في جميع المدارس، ومنع المدارس العربية التي سلمت من أيدي الاحتلال -ومعها المساجد- من تدريس التاريخ الإسلامي، وعدّ الفتح العربي الذي نشر الإسلام في الجزائر ودام نحو 13 قرنا احتلالا عربيًا، وأنه جاء ليخلص الجزائر من هذا الاحتلال!
وكادت هذه الأساليب الماكرة تؤتي ثمارها لولا مقاومة الجزائريين وجهود الغيورين من أبنائها في الوقوف أمام هذه المخططات التي أفسدت الحياة الثقافية وأوشكت أن تقطع الصلة بين الأمة ولغتها وتاريخها، ومن هؤلاء الغيورين محمد بن أبي شنب الذي ما كان أحد يظن أن تخرج هذه الأرض المحتلة رجلاً مثله يتقن الفرنسية ولا يغفل عن الأخذ من علوم العرب والإسلام.
تكوين ..
في قرية "المدية" بجنوب الجزائر التي تبعد عن العاصمة بنحو 90 كيلومترًا ولد محمد بن العربي بن محمد بن أبي شنب يوم الثلاثاء الموافق (10 من رجب 1286 هـ= 26 من أكتوبر 1869م)، ونشأ في أسرة تعود جذورها إلى مدينة "بروسة" التركية وكانت على جانب من الغنى واليسار وتعمل بالزراعة.
وقد عنيت هذه الأسرة بتربية ابنها وتعليمه؛ فحفظ شيئا من القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بالمدارس المدنية التي أنشأتها فرنسا وفق خطتها في نشر ثقافتها؛ فتعلم الفرنسية وقرأ آدابها وتاريخها، وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي التحق بمدرسة دار المعلمين الفرنسية بـ"أبي زريعة" بالقرب من الجزائر، وقضى بها عامًا للدراسة تخرج بعدها مجازًا بتعليم اللغة الفرنسية وآدابها في المدارس الابتدائية.
مدرس ..
وعقب تخرجه عمل بالتدريس في المدارس الابتدائية إلى جانب دراسة علوم العربية وشيء من الفقه والتوحيد، ثم نجح في الحصول على شهادة مدرسة الآداب العليا، فعين مدرسا للأدب العربي في مدرسة قسطنطينية سنة (1316هـ= 1898م)، ثم نقل إلى مدرسة الجزائر سنة (1319 هـ=1901م)، وظل يعمل بها 14 عاما، ثم رُقي إلى القسم الأعلى من هذه المدرسة حيث قام بتدريس النحو والأدب وعلوم البلاغة والمنطق.
ولم تنقطع صلته طوال هذه الفترة عن طلب العلم؛ فهو طالب ومعلم معا، حتى كلل جهوده بنيل درجة الدكتوراة من القسم الأدبي بكلية الآداب بالجزائر بعد أن قدم رسالتين وضعهما بالفرنسية، الأولى عن حياة الشاعر العباسي أبي دلامة، والأخرى بعنوان الألقاب الفارسية والتركية الباقية في لغة العامة بالجزائر، وعلى إثر حصوله على درجة الدكتوراة انتقل سنة (1343 هـ=1924م) مدرسًا إلى كلية الآداب.
نشاط ..
¥