[السيرة النبوية بين الطرح الأدبي والمنهج العلمي]
ـ[محمد مسعد ياقوت]ــــــــ[06 - 12 - 08, 08:42 م]ـ
[ COLOR=Red][B]
[السيرة النبوية بين الطرح الأدبي والمنهج العلمي]
بقلم:
محمد مسعد ياقوت**
شَاركْتُ في المؤتمر الثاني الذي عَقدته منظمة النصرة العالمية هذا العام (نوفمبر 2008) بدولة الكويت – حرسها الله – وكانت فعاليات المؤتمر حول إعادة قراءة السيرة النبوية قراءة سهلة وعصرية تتفق وعقليات الغربيين الذين نستهدفهم لتعريف الإسلام لهم؛ وكانت مُشاركتي حول الطَّرحِ الأدبي للسيرة النبوية، وكيف أن الأطروحات الأدبيةَ في السيرة النبوية في أغلبها من نصيب أرباب القلم العِلماني أو سدنة الفكر المنحرف بشكل عام.
وقلتُ: إن الطرح الأدبي للسيرة النبوية يغطّي شريحةً ما من النُخبِ، كما أن الطرح العلمي يغطي شريحة أخرى، الأولى لها ميول أدبية وفنية والثانية لها ميول بحثية. والطريقتان مهمتان في خُطتنا لنشر السيرة النبوية في العالم الغربي.
بيد أن الطرح الأدبي؛ يمتاز باستجاشة القلوب، وتحريك المشاعر، واستمالة العواطف. ففي النص الأدبي تدمع العيون، وتخشع القلوب، وتلذ النفوس، ويتذوقُ القارئ الكلمةَ الحلوة، والنظم المسبوك، والديباجة الكريمة. وإن من البيان لسحرًا. وقديمًا تعلمنا في تراث الأدب أن النص الأدبي أبقى وأخلد من النص غير الأدبي، ألا ترى العرب لم يَبقَ من لسانهم شيئًا سوى أطايب الشعر والنثر التي نُقلت عنهم؟ بل ترى الله – عزَّ وجل – لم يسلك إلا الطريقة البيانية لتبليغ دينه لبني البشر، وذلك عبر الجملة المسجوعة، والنص البليغ، والآية المحكمة، والسورة المتُحدى بها في إعجازها العلمي والبياني. انظر لمَّا أراد أن يقصَ لنا قصة للعبرة، كيف طرحها، وكيف جمّلها، واختار أجمل الكلم، وأعظم النظم، وأحسن القصص، انظر كيف قص علينا قصة أصحاب الجنة في سورة القلم، فقال فيها:
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [القلم/17 - 29].
هكذا الأسلوب، وَرَدَ مشتملاً على أنفَسِ كلام راقٍ في نظامه، وأحسن زهرٍ تطلع من كمامه.
هكذا كانت طريقة الله- جل في علاه - لما قص القصص؛ أسلوب بليغ، وطرح بديع، وكلمٌ وفصيح، ومعنىً صريح، فيه مِن التشويق ما فيه، وفيه من الإثارة ما فيه، فضلاً عن الحكمة الظاهرة، والعِبرة البينة، والموعظة التي تنطلق من ثنايا الآيات تترا.
...
ومن الملاحظ أن طريقة القرآن في طرح القصص هي طريقة الإيجاز والاختصار مع تبليغ الغرض وتحقيق الهدف، وينبغي أن يكون لنا الأسوة في ذلك إذا أردنا أن نطرح القصص التربوية أو أحداث السيرة على الأخص. ومن هنا أرى أهمية طرح أحداث السيرة على هيئة مواقف قصصية، كل قصة تكون مستقلة بذاتها، بحيث تصلح أن تكون درسًا تربويًا بحد ذاته، وهذا يحتاج إلى جهد أكبر من الكاتب والباحث، فما أسهل أن يسرد الأحداث سردًا!
إن الموقف من السيرة، أو القصة النبوية؛ إذا ما كانت خارجة عن الحد في الطول أدت إلى الملل والاضجار، والنفور والإعراض عن السيرة استثقالاً لأسلوب العرض. ألا ترى أسلوب الأدباء العالميين في طرح السير الذاتية؟ ترى طريقتهم جارية على الطبع، ذاهبة بين الجزالة والحلاوة! فأحرى بنا أن نسلك الطريقة الأجزل والأحلى في تعريف الناس بسيرة المصطفى – صلى الله عليه وسلم -.
...
والأمثلة كثيرة في الطرح القرآني للقصص البليغة، والمواقف العظيمة، وهذه الورقة لا تتسع لذكرها، وحسبك أن تفتح كتاب الله، فتنظر إلى قصص الأنبياء والمصلحين وطريقة القرآن في عرضها.
...
¥